الحكومة رقم 27
حكومة الرئيس سامي الصلح
ألحكومة الثانية عشرة في عهد الرئيس كميل شمعون
كلف الرئيس سامي الصلح بتأليف الحكومة بموجب المرسوم رقم 19141 تاريخ 14-3-1958
تشكلت الحكومة بموجب المرسوم رقم 19142 تاريخ 14-3-1958
نالت الحكومة 38 صوتا ضد 15 صوتا؛
استقالت الحكومة بتاريخ 24-9-1958
وتألفت من
وقد جرت عليها التعديلات التالية:
و:
البيان الوزاري
حضرات النواب المحترمين
كان من الضروري ، في هذا الظرف الذي نشعر فيه جميعا بمسيس الحاجة الى مضاعفة الجهد والعمل المنتج ، ان تقوم حكومة تتوفر لها عناصر النشاط الحثيث في سبيل تلبية الرغبات الشعبية وتحقيق مطالب الاهلين ولا سيما بالنسبة الى وجوب توخي السرعة فيانجاز المعاملات الادارية التي طالما اشتكت البطء الشديد . وهذا ما دعانا الى ان نتوسع في عدد اعضاء الحكومة لكي يكون على رأس كل وزارة وزير ينصرف الى عمله ويؤمن قسطا اوفر من الانتاج والعمل المثمر .
لقد تألفت هذه الوزارة بدافع الرغبة الصادقة الملحة في الجهد والنشاط وتطوير آلة الحكم تطويرا مرنا يتلاءم والحاجة الوطنية الشديدة الى سرعة العمل المنتج . تألفت وهدفها الاول عدم تأجيل عمل اليوم الى غد . تألفت للسهر الدائب على صيانة الوحدة الوطنية وتوطيد دعائم التضامن والتآخي وتثبيت مبادىء الميثاق الوطني . فلا حزبية ولا تحيز ولا اجحاف ولا محاباة ولا تمييز ولا نفرقة ولا انقسام ولا انتقام ، انما عدل وعدالة ومساواة واخاء ورعاية صادقة مخلصة لمصلحة هذا الوطن ومصلحة هذا الشعب ، واحترام كلي لسلطة القانون والنظام العام والطمأنينة العامة . ولا سيادة لغير القانون الذي يجب ان يكون فوق الجميع ولخير الجميع .
ان من اهم ما يعنى به الرأي العام اللبناني في هذه الايام هو سياسة لبنان الخارجية ولهذا يولي بياننا هذه الناحية اهمية كبرى .
يحرص لبنان في علاقاته الخارجية على توطيد استقلاله ، وانماء تعاون صادق بينه وبين الدول العربية الشقيقة وبينه وبين الدول الصديقة الاخرى وتعزيز كل ما من شأنه تدعيم ازدهاره الاقتصادي والحضاري . على هذه الاسس الثلاثة ، الاستقلال والتعاون والتقدم ، ترسم الحكومة سياستها في الحقل الخارجي ، وهي واثقة كل الوثوق من انها بذلك انما تستجيب لاعمق رغبات الشغب اللبناني .
اللبناني بطبيعته استقلالي يعشق الحرية . في اطار هذه الاستقلالية الحرة الطبيعية يفكر ويطمح ويخلق . وما الاستقلال السياسي سوى تجسيد لهذه الاستقلالية الطبيعية اللبنانية . واذن فالاستقلال الذي نمارس ونتمتع به اليوم انما يعبر عن ان للبنان دورة حياة خاصة ، سياسية واجتماعية وتاريخية وفكرية ، قائمة بحد ذاتها ، تريد البقاء والاستمرار والرسوخ ، كما تريدها دورة حياة اي دولة مستقلة اخرى .
هذا يعني اننا لن ننشىء اي علاقة او نعقد اي اتفاق او ننهج اي سياسة مع اي دولة او اي كتلة من الدول او جبهة من الجبهات تحد من استقلالنا وسيادتنا وحريتنا . سيبقى لبنان دولة مستقلة حرة مسالمة ، سائرة على مبادىء ميثاق الامم المتحدة والجامعة العربية ، مؤمنة بالقانون الدولي ، محافظة على حقوق الانسان السياسية ، حاضنة للحرية المسؤولة حامية للحريات الغالية التي مارسناها على ممر الاجيال ، متفاعلة مع الحضارة الانسانية حيث هي ، فاتحة ذراعيها وقلبها للجميع على اساس المبادلة في الاحترام والمساواة .
ان استقلال لبنان كان ولم يزل دعامة قوية للسلم والاستقلال في الشرق الاوسط . في ممارسته استقلاله يعرف واجبه بالنسبة لجميع الدول الشقيقة والصديقة . وهذا الواجب يقضي عليه بعدم المداخلة في شؤونها الداخلية وباحترام ما ترتضيه لنفسها من سياسة . وهو مصمم على عدم السماح باي مداخلة اجنبية في شؤونه الداخلية ، ايا كان مصدر هذه المداخلة .
تغتبط الحكومة لان علاقات طيبة خيرة قائمة بالفعل بين لبنان وجميع الدول ، الكبيرة والصغيرة ، القريبة والبعيدة ، الشرقية والغربية . وستسعى الحكومة للمحافظة على هذه العلاقات وتنميتها وتعميقها . لقد أمن لبنان لنفسه في الحقل الدولي الواسع صلات قوية من الود والتعامل المثمر والتعاون النزيه المجرد ولا نعرف يوما كان فيه مركز لبنان الدولي امتن واسلم منه اليوم . والحكومة تحرص كل الحرص على تقوبة هذا المركز الدولي بتوثيق التعاون المثمر مع الدول الصديقة .
اما في الحقل العربي فتعتبر الحكومة ان لبنان جزء لا يتجزأ من العالم العربي . فقد كان وسيبقى العضو الخير الفعال في خدمة الاماني والحقوق والاهداف العربية . وللبنان سجل مشرف في هذا الميدان ، فمنذ نيف وقرن ولبنان يخدم العرب ، وبذلك يكون نفسه ويخدم نفسه ، في دارخ وفي ديار العرب وفي المهجر ، وفي شتى حقول النشاط البشري ، وفي السياسة والاجتماع والاقتصاد والادب والفكر . وكل تاريخ للنهضة العربية الحديثة لا بد ان يضع النشاط اللبناني في الطليعة بين مقومات تلك النهضة ودعاماتها .
واذا كان للبنان من دور شريف نافع يقوم به في حلبة الاخوة العربية المشتركة فإنما هو دور الاخ المخلص والجار الامين الذي يجعل من بيته لاخوانه ناديا للتلاقي والتشاور والتفاهم والتضامن والاتفاق على كل ما يوطد مجد العرب ويقوي دعائم السلام في هذه البقعة العزيزة الحساسة من العالم .
فمنذ الاستقلال في سنة 1943 كا لبنان ولا يزال النصير الصادق لكل قضية عربية ، جادا في السعي وراء تعزيز التعاون العربي . اسهم حكامه وقادته في كل مشاورة عربية . كانوا بين بناة الجامعة العربية . اشتركوا في جميع ابحاثها وتعاونوا بوعي واخلاص في جميع مقرراتها ، وكثيرا ما اخذوا المبادرة في اقتراح ما يؤول لجمع صفوف العرب وتوحيد كلمتهم . في المحنة الفلسطينية كان لبنان وفيا امينا للاعتزام العربي على دحر العدوان الصهيوني . في كل قضية عربية على الاطلاق قام لبنان بواجبه كاملا ، واجبه تجاه نفسه وضميره ، وواجبه تجاه اخوانه العرب ، وواجبه تجاه الحق .
في قضية جلاء الجيوش الاجنبية عن سوريا ولبنان ، في قضية الجلاء عن مصر وعن ترعة السويس ، في قضية فلسطين الكبرى المتشعبة الاطراف ، من الصراع العربي اليهودي قبل الحرب العالمية الثانية واثناءها وبعدها ، الى لجان التحقيق الدولية في سنتي 1946 و1947 ، الى كارثة التقسيم في سنة 1947 الى اشتراك لبنان بكل قواه في الحرب الفلسطينية ، الى لجنة التوفيق في سنة 1948 ، الى جميع الابحاث المتعاقبة بشأن القضية الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين ، في قضية استقلال ليبيا ، في قضية استقلال كل من مراكش وتونس ، وعلى الاخص عندما نفي جلالة ملك مراكش محمد الخامس سنة 1954 ، في قضايا العدوانات الاسرائيلية المتعددة ، على الاردن في قبيا ونحالين ، وعلى سوريا بشأن تحويل مجرى نهر الاردن ، وعلى مصر في غزة والسويس ، في العدوان المثلث على مصر في سنة 1956 ، في قضية خليج العقبة ، في الازمة التي اجتازتها سوريا والتي اجتزناها كلنا معها السنة الماضية ، في القضايا القائمة بين المملكة العربية السعودية وبريطانيا وبين هذه واليمن ، في صراع العرب في جنوب الجزيرة وشرقها من جل حريتهم ، في الازمة الحالية بين تونس وفرنسا ، في الثورة الجزائرية القائمة من جل الحرية والاستقلال - في جميع هذه وغيرها من القضايا العربية كان لبنان بين السباقين في الدفاع والسعي والتخطيط والخدمة والتوسط ، سواء كان في تعبئة قواه كلها في الداخل وفي تعبئة قوى مغتربيه في الخارج وفي هيئات الامم المتحدة ومجالسها وفي المسعى الدبلوماسي الحثيث المباشر مع الدول المعنية . وستنشر الحكومة هذا السجل اللبناني الذهبي الضخم في خدمة العرب .
في كل ذلك كان لبنان الصوت المدوي والعامل الايجابي الواقعي في نصرة قضايا العرب . ولقد ىلت هذه الوزارة على نفسها ان تتابع اداء الرسالة العربية بروح المحبة والتعاون العربيين الصادقين الخالصين ، وستغتنم كل فرصة وتمهد كل سبيل للتفاهم التام الحر مع جميع اخواننا العرب ، وعلى الاخص بشأن القضية الفلسطينية التي ما تزال وستبقى قضية العرب الاولى وبشأن نضال اخواننا الجزائريين في سبيل الاستقلال .
ان حكومتنا تشعر شعورا عميقا بمسؤوليتها تجاه اخواننا العرب النازحين عن فلسطين ، وستعمل بتضامن تام مع البلدان العربية لايجاد الوسائل التي تمكننا من انقاذهم من المحنة التي ابتلوا بها ومن تخليصهم من براثن التشرد والبؤس واليأس . فقد آن لهؤلاء المنكوبين الذين ظلمتهم الاغراض الدولية واهملهم الضمير العالمي ان يستعيدوا حقهم السليب ، وان يحييوا حياة الانسان المتمتع بكامل حقوقه . والحكومة تعلن انها لن تقبل بأي حل للقضية الفلسطينية لا يقبل به العرب جميعا وان كل حل لا يعيد للعرب حقوقهم الكاملة في فلسطين هو حل باطل .
وليست قضية الجزائر باقل خطر في نظر لبنان ونظر هذه الوزارة من القضية الفلسطينية . فهي اخوان لنا في العروبة يكافحون ويناضلون منذ امد بعيد في سبيل الحرية والكرامة . وقد وقف لبنان الى جانبهم مستصرخا الضمير العالمي لوضع حد حاسم لهذه المجزرة المروعة . فالقضية الجزائرية قضية عربية انسانية لا يجوز اهمالها ولا التغاضي عما تتركه من مآس وكوارث رهيبة . وسوف نبذل غاية الجهد واقصى الامكانات من اجل نصرة الحق والحرية والعدالة في ذلك القطر الشقيق آملين ان يكون للعدل والتعقل اوفر نصيب في حل المشكلة الجزائرية حلا يرضي ضمير الانسانية .
واما المشكلات العربية الاخرى فلا يتعذر حلها اذا ما توفرت لها النيات الحسنة من قبل الدول ذات العلاقة . وتعلن هذه الحكومة انها ستقف في هذه المشكلات الى جانب الاشقاء العرب تناصرهم وتشد ازرهم وتبذل كل جهدها لإحقاق حقوقهم .
لقد تمخضت الحركة العربية الجبارة الحديثة اخيرا عن اتحادات مباركة ، منها قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا وقيام الدول العربية المتحدة بين هذه الجمهورية واليمن وقيام الاتحاد العربي بين العراق والاردن . وكان لبنان اول المعترفين بالجمهورية العربية المتحدة وبالاتحاد العربي عند قيامها .
ويرى لبنان ، بحكم انه اعطى ويعطي المثل الاعلى على امكان قيام المحبة والسلام والوئام والتضامن بين الناس ولو اختلفوا في اديانهم ومذاهبهم وعقائدهم وطوائفهم ، وبحكم علاقاته العزيزة بأبنائه المغتربين ، وبحكم رغبته في خدمة قضية العروبة والسلام الدائم بين ابنائها ومع غير ابنائها انه يجب عليه ان يكون صديق الجميع . ولذلك فموقفه بالنسبة للدول العربية الشقيقة هو موقف محبة واخاء تفرضهما عليه مبادىء الاخوة والجوار والشرف والمصالح المشتركة . فما كان لبنان ولن يكون مسرحا للمؤامرات ضد احد منها ، لا لأن هذا ما ياباه عليه شرف الاخوة فحسب ، بلا لأنه ايضا يضر بمصلحته السياسية والاقتصادية ويفقده جمال وجوده القائم على استمرار التعاطف الصادق بين ابنائه .
لذا تحييى الحكومة هذه الاتحادات العربية والقادة العرب الذين قاموا بها ، وتتمنى لها جميعا التوفيق الكامل في خدمة شعوبها ورفع مستواها ، وفي خدمة السلام والحضارة العالميين . ان هذه الحكومة تمد باسم لبنان يد الاخاء الى هذه الاتحادات والى غيرها من الدول العربية ، مدفوعة بروح الاخلاص والوفاء والمحبة وبرغبتها بأن تتقوى بين لبنان وبينها جميعا عرى التعاون والتساند وحسن الجوار وان يسود التضامن العربي الفعلي الخير علاقاتها بها .
في تنظيم علاقاتها مع الدول العربية تعتزم الحكومة ان تكون صديقة الجميع ، غير منحازة لهؤلاء ضد اولئك او لاولئك ضد هؤلاء ، داعية الى التفاهم والتصافي والتآخي . وستضع الحكومة بأسرع وقت مشروعا كاملا بشتى القضايا المعلقة بين لبنان وسائر الدول العربية او الناجمة في الحقل الدولي بينه وبينها من جراء الاتحادات الاخيرة ، وذلك بقصد الاسراع في المفاوضة معها على حلها جميعا بروح تفاهم واخوة .
على اساس استقلالنا وحريتنا لا تعرف الحكومة حدا لإمكانات تعاوننا مع الدول العربية . اننا نقدر تمام القدر اللحظة التاريخية الحاسمة في تاريخ الشرق الادنى وتاريخ العرب التي نعيش فيها ، والحكومة معتزمة على تحمل مسؤولياتها كاملة في هذه الآونة الدقيقة ، وتستطيعون ان تتأكدوا انها لن تدع يوما واحدا يمر او حتى ساعة واحدة دون ان تدرس وتتدارس بمسؤولية وجدية تامتين ما هو واقع وما سيقع في العالم العربي وفي الشرق الادنى ، ودون ان تستخلص منه ما يجب عمله في خدمة لبنان والعرب واعلاء شأنهم . ومن واجبها نحوكم ونحو لبنان ان تدرس جميع الاحتمالات وتكون رايا وخطة لكل احتمال منها . وهي فاعلة هذا كله في سهر متواصل اصيل .
لبنان يحيا اولا في ذاته ، وثانيا في تفاعله الحر الخير الشريف مع عالمه العربي ، وثالثا في اسهامه بقدر استطاعته في الخلق الحضاري ، ورابعا في استساغته كل حق وكل نور حيث يجدهما في العالم الاوسع . والحكومة تتطلع وتتوق الى مستقبل تعاوني عربي خلاق يسهم لبنان فيه ، بمحبة وصدق ما بعدهما محبة وصدق ، في الحياة العربية الجديدة المتفتحة المشرقة .
ان الحكومة تناشد مجلسكم الكريم كما تناشد بواسطتكم الشعب اللبناني بأسره على اختلاف ميوله وفئاته واحزابه وطوائفه ، ليضع الجميع جانبا اغراضهم واهواءهم السياسة وليقضوا على اسباب التفرقة والتناحر بينهم حفاظا على الوحدة الوطنية ، ودفعا لأي اذى قد يصيب الصف اللبناني ، ورغبة في ان يظل لبنان عزيز الجانب ، منيع القوى ، موفور الكرامة ، فيتمكن هكذا من القيام بدوره الايجابي الخلاق في خدمة اموره وامور اشقائه العرب .
ان حكومتنا واثقة من ان الشعب اللبناني يقدر اهمية الاحداث الحاضرة ودقة المرحلة التي يجتازها ، وهي تأمل ان يعاونها معاونة تامة فيلبي دعوتها الصادقة لتنفيذ هذه السياسة المعبرة تعبيرا صحيحا واقعيا عميقا عن رغباته وامانيه في الاستقلال التام وفي التعاون الخالص مع شقيقاته الدول العربية .
ترتكز سياسة لبنان الخارجية اخيرا على دعامة التقدم في شتى مجالات النشاط الانساني . ففي تطبيق هذه السياسة تتوخى حكومتنا تعزيز امكانات لبنان التجارية والزراعية والصناعية والثقافية .
في الحقل التجاري كانت حرية التعامل والتبادل المرتكز الاول لسياسة لبنان الاقتصادية ، ويقيننا ان لهذه الحرية فضلا كبيرا في هذا النشاط والازدهار الباديين في حياتنا . فاللبنانيون ذوو عراقة واصالة في الحقل التجاري مكنتا لبنان خلال الاجيال من ان يصبح محطة تتلاقى فيها الطرق والسلع ومنطلقا تتشعب منه الى سائر الامصار .
وكذلك لعبت الزراعة دورا اوليا في تطويره الاقتصادي فأصبح انتاجه الزراعي الدافق خير تعبير عن نشاط اللبنانيين .
وللبنان موارد وامكانات اقتصادية اخرى هامة يجب عليه الا يهملها ، ةفي طليعتها امكاناته الصناعية . وعليه سيكون التصنيع من اهم الامور التي ستحظى برعاية هذه الحكومة وعنايتها ، وستعمل ما استطاعت الى ذلك سبيلا على تشجيع الصناعات التي من شأنها سد بعض الثغرات في الاقتصاد اللبناني ، وعلى خلق نوع من الصناعات تتميز بالطابع اللبناني . والحكومة على اقتناع من ان لبنان ، ان لم يكن بلد صناعة في الدرجة الاولى ، ففيه على الاقل مجال رحب لصناعات يمكن ان تنمو وتزدهر اذا ما لاقت حدبا وعطفا ، وهذان الحدب والعطف بالنسبة للصناعة المنتجة القابلة للحياة ستؤمنهما الحكومة بعون الله وتعاون مجلسكم دون ايقاع اي اضرار بالمستهلك .
تنوي الحكومة تخصيص جزء هام من سياستها الخارجية لتعزيز الانتاج اللبناني في هذه الحقول ، التجارية والزراعية والصناعية . ولهذه الغاية ستقوي التمثيل الاقتصادي في بعثاتنا الخارجية وستوسع المفاوضات الدولية لايجاد اسواق جديدة للمنتجات اللبنانية .
نشهد اليوم نهضة سياسية واجتماعية واقتصادية جبارة بين شعوب ىسيا وافريقيا الصديقة . فبحكم موقع لبنان ونشاط اهله الاقتصادي وانتشار مغتربيه في اكثر بلدان هاتين القارتين ، وبحكم الروابط الوثقى التي تشده الى هذه البلدان والتي تنمو اطرادا ضمن الاسرة الاسيوية - الافريقية ، وبحكم المجالات الرحبة المنفتحة امام النشاط اللبناني والتحديات الحافزة التي انما خلقت لها العصامية اللبنانية ، بحكم ذلك ولاننا نعتبر ان التعاون الاقتصادي هو من اهم مقومات الحياة الدولية الآن ، فإن الحكومة ستلج هذه الميادين الواسعة المفتوحة امامها في الحقل الخارجي بقصد توسيع افاق التعامل التجاري اللبناني الحر ، الشريف ، البناء ، وبقصد تطبيق المناهج العملية الحديثة على الزراعة اللبنانية ، وبقصد انماء صناعة لبنانية تجاري التقدم الفني الحديث .
ليس هذا فحسب . لقد كون لبنان لنفسه مركزا عريقا ، فريدا في عالم العلم والفن والمعرفة ، وهو منذ القدم على اتصال حميم بالحركات الفكرية والثقافية النابضة ، الخلاقة ، المبدعة ، فكان لكل انتاج عقلي اصيل عالمي اثر في حياته كما كان لانتاجه الخاص في هذا الحقل سفر فياكثر اللغات والبلدان .
ان مجالات جديدة في العالم تتوسع كل يوم امام الكاتب ، والمعلم ، والطبيب ، والمهندس والخبير ، والفنان اللبناني . وفي لبنان تنفتح كل يوم ابواب جديدة للفن والعلم والفكر والتخصص النابعة من المناهل الخيرة وقد اصبح التعاون الدولي في هذه الحقول وسيلة فعالة لاشاعة التفاهم ونشر السلام والوئام بين الشعوب .
لذلك فإن حكومتنا حريصة على ان يظل لبنان يلعب دوره الفكري الفذ في اتصاله بالعالم والتعامل مع شعوبه ن وعلى ان لا يعلق في وجه بنيه اي باب من ابواب التبادل بأهل العلم والخبرة والاختصاص ، وستعنى ، في علاقاتها ومفاوضاتها مع الدول الشقيقة والصديقة ، بأن يكون لهذه الناحية من النشاط اللبناني المرتبة المتلائمة والمواهب والحاجات اللبنانية
هذا ما نعنيه بالتقدم كالركيزة الثالثة لسياسة لبنان الخارجية : ان تخطط هذه السياسة وتوجه وتطبق بحيث تستفيد تجارتنا وزراعتنا وصناعتنا وثقافتنا استفادة فعالة من علاقتنا الخارجية الطيبة مع جميع الدول ، وبحيث يرتفع باستمرار مستوى حياتنا المادي والمعنوي ، وبحيث يزداد اللبناني اعتزازا بأن وطنه لبنان يلعب دورا خلاقا ، ايجابيا ، تعاونيا ، مسالما ، حرا ، شريفا ، مع عالمه العربي ومع العالم بأسره .
اما في الحقل الداخلي فإن مهمة هذه الوزارة هي تأمين العدل والامن والعمل والانتاج ، وفيما يتعلق بالقضاء فإن سياسة الحكومة تقوم على ادراك واجبها في تعزيز كيان المؤتمنين على سير العدل وتوفير جهاز سليم يطمئن الى مناعته المتقاضون . وستتقدم الحكومة من مجلسكم الكريم في اقرب وقت بمشروعات قوانين تتعلق بالنظام القضائي وبنظام القضاة ، وتهدف الى تحقيق تعديلات تتناول تشكيل مجلس القضاء الاعلى وجهاز التفتيش وتشكيل المحاكم وازالة التشابك في الصلاحيات ، على ان تعمد بعد اقرار هذه المشروعات الى اجراء اصلاح شامل يتفق والاسس المعتمدة .
ترى الحكومة ان على الادارة تبعات جسيمة تدعوها الى ان تأخذ على عاتقها مهمة جعل هذه الادارة ادارة صالحة مفيدة منتجة ، فلا تضن على الموظف المخلص النشيط الامين بالتشجيع والتقدير ، ولا تتهاون في بتر العضو العقيم او الفاسد .
اما الامن فغننا نقدر جميعنا اهميته بالنسبة لراحة الاهلين وازدهار البلد ، فلا عجب اذا ما اولت هذه الوزارة موضوع الامن والنظام بالغ عنايتها واهتمامها ، وهي مصممة من اجل ذلك على ان تضرب بشدة على ايدي الغابثين والمخربين ممن قد تسول لهم النفس الخروج بالحرية عن نطاقها القانوني والتسلل من خلالها الى طريق الشر والفساد او بذر بذور الفوضى واشاعة القلق والاضطراب . وقد طبقت الحكومة منذ اللحظة الاولى لتشكيلها التدابير المشددة الرامية الى منع كل اخلال بالامن
وليس من شك في ان حرية الرأي والفكر مكفولة ومقدسة ، بيد ان لهذه الحرية حرمة وحدودا معينة رسمتها احكام القانون ، فلا يجوز قطعا تجاوزها الى ما يمس حرية الاخرين او يسيء الى كرامة احد ، والحكومة بتقديسها الحريات العامة واعتزامها السهر على صيانتها بعناية وامانة وحزم انما تستهدف صون معنى الحرية والذود عن مثلها وشعائرها الحقيقية ، بحيث يطمئن كل مواطن الى ان حقه مصون وان كرامته الشخصية في حرز حريز ، وعلى هذا فإن الحكومة تولي قانون المطبوعات اهتماما خاصا وهي تتبنى المشروع الذي تقدمت به الحكومة السابقة وستوافيكم عما قريب بمشروع قانون لتنظيم الصحافة .
ان من شروط العدل والامن ، ايها السادة ، ان توزع الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين ولا شك بمنتهى التجرد والانصاف ، فمن اجل ذلك تعتزم الحكومة ان تكافح الاحتكار وغلاء المعيشة والاستغلال والكسب عير المشروع حيثما وجدت تجاوزا على الحدود والقوانين .
ان الحكومة تدرك ادراكا كليا ان لوزارة التصميم دورا اساسيا خطيرا في تقرير نهضتنا العمرانية العامة وتركيز دعائم الاقتصاد الوطني على اسس ثابتة ، لذا فإنها ستعزز اجهزة مجلس التصميم العام وصلاحياته ليتمكن من وضع تصميم شامل يوجه وينسق الاعمال الانشائية ومن تحقيق الاهم والاكثر فائدة للبلاد في ميادين الانتاج والبناء والتجهيز فتتوفر الاستفادة المثلى من موارد البلاد وطاقاتها الطبيعية والبشرية ، وسيشمل هذا التصميم الجهاز الاداري من جميع نواحيه ليصبح اداة فعالة وسريعة لانجاز المعاملات وتامين المصلحة العامة بأقل ما يمكن من تكاليف .
وبانتظار هذه الدروس ستعمد الحكومة الى تنفيذ المشروعات العامة المقررة في شتى الحقول والعائدة لوزارات الاشغال والمواصلات والصحة العامة والزراعة والشؤون الاجتماعية والتربية الوطنية والانباء والدفاع الوطني والهاتف .
وقد طلبت الحكومة الى وزير التصميم العام انهاء المفاوضات مع شركتي البترول بالسرعة اللازمة وعلى اسس عادلة ، وهكذا وبهذه الرغبة الصادقة في دفع ىلة الحكم الى الامام فإن حكومتنا لن تتوانى في صرف الاعتمادات المالية بالسبل المخصصة لها على اكمل وجه مولية شؤون الزراعة والصناعة والتجارة والصحة والتربية الوطنية ومختلف نواحي الحياة الاجتماعية اعظم قسط من العناية والجد والتصميم .
والى جانب المشروعات المختلفة المقررة في الموازنة فإن وزارة الاشغال العامة والمواصلات ستعنى بتحقيق بعض المشروعات التي تضمن المنفعة كمشروع انشاء سجن حديث وتمديد الشبكات الكهربائية وشبكات مياه الشرب الى اكثر القرى اللبنانية ، واكمال المشروعات التي بوشر بها .
ان الزرعة وهي من اولى الموارد الحيوية للبلاد تستدعي ولا شك اهتماما بالغا ولا سيما من ناحية تحسين حالة الاراضي غير المروية وجعلها صالحة لعدد من الزراعات المنتجة ، وكذلك تحسين وسائل توضيب الانتاج الزراعي وحفظه ونقله وهذا ما ستعيره وزارة الزراعة كل عناية ورعاية
وكذلك ستتولى الحكومة بكل اهتمام تنفيذ انشاء الاذاعة الجديدة . وبانتظار ان يصبح للبنان جهازه الاذاعي الكبير الذي يمكنه الاتصال الذائم بمغتربيه وبجميع اجزاء العالم فإن وزارة الانباء تتصرف الى تحضير نظام خاص للاذاعة على غرار احدث الانظمة المتبعة في البلدان الراقية .
هذا وتتابع الحكومة تجهيز لبنان بالهاتف الآلي ، فبعد ان انجزته في بيروت وطرابلس فإنها في طريق انجازه هذه السنة في فرن الشباك وبرج حمود والشياح والسنة القادمة في صيدا وزحلة وعاليه ، ولما كانت حركة العمران وتشييد الابنية في اطراد مستمر فإن كميات الاجهزة المطلوبة والوافية بحاجة العاصمة وغيرها قد استدركت وبدأ تسلمها تباعا ، كما ان الحكومة ستعمد الى توسيع التجهيزات الهاتفية بحيث يمكن تلافي اي نقص يمكن حصوله في هذه الحالة مع تأمين الاتصالات الالية بين المدن بالاستغناء عن "السنترال" نهائيا داخل اراضي الجمهورية اللبنانية .
وفي حقل الصحة العامة ستأخذ الحكومة بمخططين اساسيين : وقائي وعلاجي . فالوقائي يشمل المراكز الوقائية في المناطق الريفية ، والعلاجي يتناول مبدأ اللامركزية الصحية وذلك بتأمين مستشفيات ومستوصفات في الاقضية بغية اسعاف الحياة الريفية ، هذا الى جانب اعتزام الحكومة ، مكافحة غلاء الادوية وخفض اسعارها ، واهتمامها لتأمين صندوق تقاعد للاطباء .
وفي التربية الوطنية ستعنى الحكومة بتوجيهها التوجيه الوطني السليم هادفة الى تعزيز التعليم في مختلف درجاته ومراحله ورفع مستوى الهيئة التعليمية بما تستحقه للقيام برسالتها التربوية على الوجه الصحيح والى تحقيق مجانية التعليم الابتدائي . كما انها ستعنى عناية خاصة بالتعليم المهني عاملة لتعزيز فروعه ومناهجه ، وسعت الى دراسة برامج التعليم عامة دراسة صحيحة تقتضيها الطرق التربوية الحديثة ، وستعمل لتوسيع الانشاءات المدرسية والرياضية بما في ذلك تحقيق مشروع دار المعلمين الريفية . هذا مع ما يستدعيه التعليم العالي من بالغ العناية والاهتمام لتعزيز الجامعة اللبنانية .
وان في مقدمة اهداف هذه الحكومة ومهامها الاساسية العناية القصوى بالقضايا الاجتماعية والتوفر على معالجتها وايجاد الحلول الملائمة لها لتأمين اسباب الراحة للشعب اللبناني وتحقيق حياة افضل بالنسبة لجميع طبقاته وبالاخص العمال والمزارعين وصغار الموظفين والمحدودي الدخل وتحتل مشكلة الاسكان مرتبة هامة بين هذه القضايا مما دعا الحكومة السابقة الى ان تسير شوطا بعيدا في تحضير الدراسات والتصاميم اللازمة بواسطة اهل الخبرة والاختصاص لبلوغ الحل المناسب ، ومضاعفة للجهد والعناية بهذه المشكلة ستعمد الحكومة الى انشاء الاجهزة ووضع التشريعات والانظمة بقصد تنفيذ البرامج الاسكانية القصيرة والبعيدة الامد ضمن نطاق امكانات الدولة المادية بحيث يتمكن الفرد اللبناني المحتاج الى سكن افضل من ان يؤمن لنفسه ولعائلته مسكنا ملائما ضمن نطاق امكاناته المالية وذلك ايمانا منا بحق المواطنين ذوي الدخل المحدود في عيش كريم وطمأنينة تامة .
في سبيل هذا كله ترى وزارة المالية لزاما عليها ان تعمد الى الاقتصاد في الانفاق غير المجدي والى تأمين الموارد اللازمة لتنفيذ المشروعات المنتجة .
بهذه النية الصادقة والعزيمة المخلصة نرجو ان يكون التعاون بين مجلسكم الكريم وهذه الوزارة التي تعاهدكم على ممارسة تبعاتها بجرأة وامانة طريقنا الى طلب ثقتكم الغالية في سبيل خدمة وطننا العزيز ، والله الموفق