الحكومة رقم 38
حكومة الرئيس عبدالله اليافي
ألحكومة الرابعة في عهد الرئيس شارل حلو
كلف الرئيس عبدالله اليافي بتأليف الحكومة بموجب المرسوم رقم 4451 تاريخ 9-4-1966
تشكلت الحكومة بموجب المرسوم رقم 44521 تاريخ 9-4-1966
نالت الحكومة 55 صوتا ضد 20 صوتا وامتناع= 14 صوتا
استقالت الحكومة بتاريخ 6-12-1966
وتألفت من
البيان الوزاري
حضرات النواب المحترمين
ان الحكومة التي لي شرف رئاستها تمثل اليوم امام مجلسكم الكريم عملا بالاصول الدستورية طالبة ان تمنحوها ثقتكم لتتابع الاضطلاع بمسؤوليات الحكم في اطار نظامنا الديموقراطي البرلماني .
وليست هي المرة الاولى ولا الاخيرة التي تستمع فيها المجالس النيابية اللبنانية الى البيانات الوزارية التي غالبا ما تشابهت في تفاصيلها تشابها حمل الكثيرين على الظن بأنها مجرد وعود تتردد . ويقتضينا الواقع والانصاف ان نعترف للحكومات السابقة بأنها انجزت الكثير مما تضمنته بياناتها الوزارية ومن الطبيعي ان تتواصل اعمال الحكومات المتعاقبة في مختلف الميادين ما دامت تستهدف الخير العام وتستند الى مبدأ استمرار الحكم .
انطلاقا من هذه المبادئ ترى حكومتنا نفسها متلاقية مع من سبقها من الحكومات في العديد من النقاط التفصيلية مما يغنينا عن الدخول مجددا في هذه النقاط وفي تفاصيلها ايضا على ان نتقدم عند الضرورة وفي الوقت المناسب من مجلسكم الكريم بمشاريع القوانين التي يقرها مجلس الوزراء تلبية لحاجات الوزارات المختصة . لذلك نكتفي في بياننا هذا بإبراز المبادئ الاساسية لسياسة حكومتنا والخطوط الكبرى للنهج الذي سوف نتبعه في معالجة القضايا التي يجب ان تحظى في الحقبة الحاضرة بعناية خاصة من السلطات المسؤولة .
ان تطور الزمن ، وازدياد عدد السكان المطرد ، وتنوع حاجاتهم ، كل ذلك بات يفرض علينا الا نكتفي بتلبية المطالب الانية الحقة بل بالتخطيط البعيد المدى لتأمين مستقبل افضل تطمح اليه الشعوب وعدالة اجتماعية توفر لجميع فئات الشعب عيشا كريما منبثقا في آن واحد من ايماننا بالله وبحقوق الانسان وكرامته .
واذا كان همنا الاول صيانة الوحدة الوطنية والسهر على تدعيمها باستمرار فان هذه الوحدة لا تقوم فقط على المساواة في الحقوق بين مختلف العناصر اللبنانية بل انها تقوم ايضا وخاصة على عمل انمائي اقتصادي واسع النطاق وبعيد المدى يسهم فيه جميع اللبنانيين لزيادة الانتاج والدخل القومي وبالتالي يؤمن لجميع المواطنين على صعيد الانتفاع نصيبا عادلا من الازدهار العام .
فالانماء الاقتصادي ، وهو شرط اساسي للاستقرار السياسي وللتطور الاجتماعي ، يفترض تخطيطا واضح الاهداف ، عملي الوسائل ، له من المرونة ما يسمح بأن يتكيف وفق مقتضيات الحياة اللبنانية ، ومن الاستمرار ، ما يجعل الموازنات متلاقية اجراء من كل ، والحكومات المتتابعة المضطلعة بمسؤوليات الحكم حلقات متكاملة في خدمة المصلحة العامة .
ايها السادة ،
ان الحكومات السابقة قد عينت كما تعلمون بمقتضى خطة خمسية بعض حاجات البلاد الاساسية للسنوات الخمس المقبلة البالغ تكاليفها مليارا وثمانون مليونا من الليرات اللبنانية ، آخذة بعين الاعتبار ما بين هذه الحاجات وامكانات الدولة من وثيق الصلة ، هادفة من جهة الى توفير التجهيزات والانشاءات الضرورية في مختلف المرافق ، ومن جهة اخرى الى تأمين ما يحتاجه المواطن نفسه من تربية وطنية وعناية صحية وارشاد وطني صحيح .
ولقد اقر مجلسكم الكريم خلال الشهر الاخير من العام الماضي تنفيذ مشاريع جزء من هذه الخطة البالغة نفقاته 272 مليونا من الليرات اللبنانية بشكل مرن وسليم يسمح بتسديد التكاليف في آجال متباعدة تتجاوز نطاق السنوات الخمس وترمي هذه المشاريع الى اقامة بناء الجامعة اللبنانية وتأمين سدود وشبكات للمياه ولا سيما الاعمال الايلة الى تحقيق مشروع الليطاني وانشاء محطات لتوليد الكهرباء فضلا عن تعميم المدارس المهنية والمستشفيات والمستوصفات على مختلف المناطق اللبنانية .
وقد تقدمت مؤسسات وطنية واجنبية بعروض زاد عددها على الثلاثين لتنفيذ هذه المشاريع ستختار منها الحكومة ما يتضمن افضل الشروط .
اما بقية مشاريع خطة التنمية التي هي قيد التطوير دائما فان الحكومة الحاضرة تحتفظ لنفسها بحق اعادة درسها وتعديلها عندما يقتضي الامر في ضوء الامكانات المالية والفنية والمصلحة العامة ، بينما يستمر تنفيذ المشاريع العادية دون انقطاع .
ولا يخفى على حضراتكم ان ليس في مكنة الدولة ان تغطي بوارداتها العادية جميع الاعباء المالية التي يتطلبها تنفيذ هذه المشاريع الا اذا اتخذت الحكومة التدابير الايلة الى عصر النفقات الادارية غير المنتجة والى تحسين وسائل التحقق والجباية والى ضبط الانفاق وكذلك الى تقسيط المبالغ التي ستتوجب الى اقساط موزعة على عدد من الموازنات المقبلة .
كذلك فإنكم تعلمون ان الحكومات السابقة لم تر مفرا من وضع مشاريع الانماء قيد التنفيذ دون التقيد بتوازن الموازنات السنوية في كفتي الواردات والنفقات ، مما هو مألوف في بعض الحالات وعائد بالخير في كل حال على ازدهار البلاد .
وهكذا ومنذ سنة 1962 والى موازنة 1966 ذاتها نفذ مال الاحتياطي وازدادت الفروقات بين الواردات والنفقات التي نأمل ان تتقلص سنة بعد سنة بفعل التدابير التي اشرنا اليها آنفا وبزيادة الدخل القومي ونتاجه الضرائبي .
وفي يقيننا الاهم ههنا ليس توازن الموازنة ماليا في سنة معينة بل هو استقامة الوضع المالي العام خلال مرحلة التنمية وخروج الدولة من هذه المرحلة وهي غير رازحة تحت عبء ديون بل قادرة على مواجهة كل ما يترتب عليها من اعباء مالية دائمة وطارئة من مواردها العادية .
اما وقد بينا نهجنا في سياسة التنمية وألمحنا الى الوضع المالي بصورة مقتضبة فلا بد من كلمة عن نهج حكومتنا في الميدان الاقتصادي . اننا كما يعلم الجميع ، نعيش في ظل نظام اقتصادي حر يرتكز اول ما يرتكز على المبادرة الشخصية في مختلف فروع النشاط ، وخاصة في حقول التجارة والخدمات والمبادلات على اختلاف انواعها ، وقد اسهمت هذه المبادرة الشخصية الى حد بعيد في ازدهار لبنان وعمرانه .
وقد بات من الواجب على هذا النظام وقد تطور بنا الزمن ان يسهم مع الدولة في انماء مرافق البلاد وتحقيق ما توافقنا على تسميته بالعدالة الاجتماعية على ان يبقى واضحا انه لا يجوز تفسير الحرية الاقتصادية بمعنى الفوضى او السماح بقيام احتكارات من اي نوع كانت خصوصا في ما يتصل بمتطلبات الشعب الحياتية كالغذاء والدواء مثلا .
ان العدالة الاجتماعية التي تنشد تتحقق اكثر ما تتحقق في تطور الانتاج ومن هنا تبرز الحاجة ضمن التصميم العام لا الى التجهيزات الاساسية وحسب بل ايضا الى سلسلة متصلة من الوسائل والتدابير التي تؤول الى مساعدة الزراعة والصناعة والسياحة على النهوض لتحسين اوضاعها وزيادة انتاجها وخلق مجالات جديدة للعمل ورفع مستوى الفلاح والعامل .
وضمن هذا التفكير لا بد من ان يبرز الى حيز الوجود العملي تنظيم التعاونيات الانتاجية والاستهلاكية وتنظيم مكتب الفاكهة في الشكل وفي الاساس وتوسيع صلاحياته على ضوء الدراسات التي تقوم بها الحكومة والحؤول دون نشوب ازمة تصريف انتاج الفاكهة وتوجيه الامر ناحية اسداء مساعدات للمزارع تؤدي الى تخفيض كلفة الانتاج الزراعي وتساعد بالتالي على حل مشلكة تصريف هذا الانتاج في مختلف انواعه كالحمضيات والتفاح والزيتون وسواها .
وهل يمكن بل هل يجوز بعد الان ان لا تولى كل حكومة قضية الادوية عناية فائقة فتعمل على توفير الادوية لجميع المواطنين وتشجيع صنع بعضها محليا والتشدد في مراقبته ومراقبة استيراد بعضها الاخر ومراقبة اسعار بيعها ؟
ان كل ما سبق بيانه وغيره يبقى ناقصا ودون جدوى اذا لم يتحقق له شرطان اساسيان ، وهما : الاصلاح واستتباب الامن . فضرورة وجود اداة ادارية وفنية مستوفاة عنصري الكفاءة والاخلاق يحتم علينا متابعة العمل الاصلاحي الشامل الذي باشرته الحكومة السابقة مستهدفين لا اصلاح الادارة فحسب بأشخاص موظفيها ، بل اصلاح الانظمة والقوانين ذاتها واوضاع المصالح المستقلة وسائر الدوائر الفنية . علما بأن الاصلاح الاداري يبقى مقصرا على صعيد الشعب ان لم يرافقه ويكلمه اصلاح في ميادين التربية الوطنية وتوجيه النشئ نحو المدارس المهنية والحرفية واصلاح في ميادين الاعلام ، بل اصلاح في مفاهيم الحكم بالذات الذي هو اصلا تفان كامل غير منقوص في خدمة البلاد من قبل السلطات وتحسس من المواطنين بمسؤولياتهم نحو وطنهم .
وكذلك لا يمكن ان تهيأ لهذا العمل الانمائي والاصلاحي والاجتماعي الاسباب والاجواء الصالحة ان لم يخيم على البلاد جميعها امن وعدل ترى الحكومة في رأس واجباتها ان تسهر عليهما سهرا دقيقا .
ايها السادة
ان لبنان العربي السيد المستقل يهدف شعبه دوما بكل محبة واخلاص الى مزيد من التعاون الوثيق مع شقيقاته الدول العربية والى تمتين روابطه الاخوية معها في اطار الجامعة محترما ميثاقها نصا وروحا وملتزاما به كما يعتبر نفسه ملتزما بمعاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي وبمقررات الملوك والرؤساء العرب وبصورة خاصة ما تعلق منها بفلسطين وبحق شعبها العربي بالعودة اليها دون ما قيد او شرط .
ان لبنان حريص على وحدة الصف العربي ووحدة المجهود من اجل القضايا المشتركة ومثابر على سياسته التقليدية في الابتعاد عن جميع التكتلات والاحلاف كما يبغي دائما ان تقوم علاقاته مع جميع الدول على اسس من الصداقة والاحترام المتبادلين بعيدا عن كل قيد او ارتباط يتنافى ومفهوم السيادة الكاملة ، متبعا سياسة عدم الانحياز ومستندات في كل حال الى شرعية الامم المتحدة ، رائدة الاسهام قدر طاقتنا في ما يؤول الى حفظ الامن والسلام في العالم .
هذا العمل كما اوضحناه ، نعاهدكم على ان نبذل كل ما في طاقتنا من امكانات لتحقيقه على وجه يرضي ضمائرنا ويرضيكم ويرضي الشعب الذي تمثلون وبالتعاون الوثيق معكم . وعلى هذا الاساس نتقدم من مجلسكم الكريم طالبين ثقتكم الغالية لنتمكن بها ، بعون الله تعالى ، وبتوجيه فخامة رئيس الجمهورية من اداء الواجب الذي دعينا اليه .