الحكومة رقم 8
حكومة الرئيس رياض الصلح
ألحكومة الثامنة في عهد الرئيس بشارة الخوري
كلف الرئيس رياض الصلح بتأليف الحكومة بموجب المرسوم رقم 12598 تاريخ 26 تموز 1948
تشكلت الحكومة بموجب المرسوم رقم 12598 تاريخ 26 تموز 1948
نالت الحكومة بأكثرية الأصوات وحجب الثقة 5
استقالت الحكومة بتاريخ 1 تشرين الاول 1949
وتألفت من
وقد جرت عليها التعديلات التالية:
حضرات الزملاء المحترمين
إن الحكومة التي تتقدم اليوم من مجلسكم الكريم هي الثامنة في سلسلة الحكومات الوطنية لهذا العهد الاستقلالي . وقد انبثقت جميعها من صميم الحركة القومية وسارت بوحي الميثاق الوطني في جميع ما اضطلعت به من اعمال ، وعالجت من شؤون في السياسة الداخلية والخارجية ، وليست السنوات القليلة التي قطعها لبنان بالفترة الطويلة في حياة الجماعات ، بل هي تكاد لا تحسب في تقاويم الامم إلا إذا كانت ترافقها ساعات حاسمة في تاريخها بنيت على التضحية والبذل العظيم .
و يستطيع لبنان أن يباهي بما بنى ابناؤه في تلك السنوات القصيرة كما يحق لحكوماته الاستقلالية أن تجعل مما شيدته في البناء مثلا يضرب لكثير من الحكومات .
ولئن كان هذا البناء الشامخ الذي ساهمت في إقامته كل قوة حية من الشعب اللبناني ، والذي وضعنا فيه اسسا من عصارات قلوبنا ، ورفعناه على قواعد من أمجاد ماضينا وآمال مستقبلنا - لئن كان هذا البناء المتعالي لم يثر اعجاب بعض المعاصرين فان التاريخ سيذكر أنه عمل كبير وسيكون التاريخ أكثر انصافا فيقول كلمته العادلة المجردة في ما حققه اللبنانيون من الاماني داخلا وخارجا وسيقول كذلك ان معركة الاستقلال والكرامة والاستقرار والانشاء كانت معركة خاطفة ينبغي تدوينها في أروع صفحة من صفحات تاريخنا .
لقد مضت الحكومات الوطنية في تحقيق برامجها رغم جميع العقبات ، فشاركت في الحياة الدولية على اوسع نطاق وبذلت أكبر الجهود في تنقية الحياة الوطنية وتأليف القلوب وتركيز المشاعر وتوجيهها وجهة قومية ، و لقد برهنت الحوادث على أن الروح الوطني الذي قوي على صد جميع الاستفزازات والمحاولات المختلفة المصادر على أن هذا الروح الوطني قد أصبح متأصلا في اللبنانيين لا تزعزعه العواصف العابرة .
وقد ساهم لبنان في تعزيز روح التضامن بين الشعوب وتقوية فكرة التعاون الصحيح المثمر بين الامم و احتل مكانا ساميا في المجتمع الدولي فترأس المجلس الاقتصادي والاجتماعي وهو أكبر هيئة عالمية انشائية و اختاره ممثلو الثقافة والفكر مقرا لانعقاد المؤتمر الثالث للأونسكو التي هي أعظم هيئة ثقافية عرفها التاريخ .
وفي الجامعة العربية دخلنا مدفوعين بتلك الذكريات والمصالح التي لا تنفصم عراها و التي تشدنا الى اخواننا في البلاد العربية ، حريصين على أن تكون لنا كلمتنا المسموعة في سياسة هذا الاقليم الحساس من العالم ، فكان لنا أثر فعال في كل مظهر من مظاهر التضامن العربي الوثيق ، إن في ميدان الانشاء أو في الدفاع عن تراثنا المشترك .
إن الجامعة العربية ، التي نحن دعامة من دعاماتها ، عنصر رئيسي من عناصر الخير لنا ولاخواننا وللعالم أجمع ، و لقد أثبتت الجامعة أنها اداة صالحة لذلك .
ومن الانصاف أن تقاس أعمالها بمآتي مثيلاتها من المنظمات العالمية والهيئات الاقليمية ليرى الذين يأخذون عليها بط ء سيرها أنهم مخطئون . ان الجامعة العربية حية باقية لأنها من صلب الشعوب التي كونتها وانها تعبير عما يخالج العرب من آمال كبار .
وإنه لمن دواعي الفخر للبنان أن يكون قد جعل من أسس سياسته الوطنية تقوية الجامعة العربية وتدعيمها ، و هو يرى أنها محققة للرغبات في السياسة والثقافة والاقتصاد جميعا .
إن الدول العربية لتشعر اليوم أكثر من أي يوم آخر بأنها مدينة للجامعة بهذا التكتل الرائع الذي يرفعها الى المكانة اللائقة بها ، و هي لذلك مصممة على احاطة الجامعة بسياج من إيمانها ، وهي حريصة على أن تزيد التعاون الاقتصادي فيما بينها توثيقا ، وعلى تنمية التبادل التجاري و المالي لأن في ذلك تقوية لها و تحشيدا لإمكانياتها الاقتصادية ، تلك الإمكانيات التي ستضعها جميعا في خدمة المصالح العربية لمكافحة الصهيونية . وإننا نستطيع أن نؤكد أن هذا الموضوع سيكون في رأس المواضيع التي ستعمد الجامعة العربية الى اقرارها في اجتماعاتها المقبلة و التي لن تحول المشاغل السياسية والعسكرية دون تحقيقها .
ليسمح لي ، وقد كان لي شرف رئاسة الحكومتين المتعاقبتين ، أن أعرض لما حققته الحكومة السابقة و ما وضعته من مشروعات وذلك تمهيدا لما سوف أقوله عن برنامج الحكومة الحاضرة .
لقد حرصت الحكومة التي تقدمت شقيقتها هذه على تحقيق الشطر الأكبر من البرامج الوطنية التي نشأت مع حياتنا الحرة ، تلك البرامج التي قطعت الحكومة الاستقلالية الاولى عهدا على نفسها بأن تحققها كاملة .
لقد ناضلت الحكومة اللبنانية السابقة على جبهتين : ناضلت من ناحية لرفاهية الشعب اللبناني فوفرت له الغذاء في ظروف معروفة و جنبت البلاد من ناحية أخرى نتائج بلبلة مالية .
لقد ساور القلق بعضهم على الحالة المالية و حامت بعض الشائعات حول الموازنة المقبلة . فبوسع الحكومة أن تؤكد بهذه المناسبة أن الموازنة التي ستقدم الى حضراتكم في الوقت المعين لها ستكون متكافئة الاطراف كموازنة العام المنصرم دون أن يمنع ذلك من متابعة الاعمال الانشائية و القيام بجميع التعهدات الحكومية ، و بوسعنا كذلك أن نعلن أن غذاء الشعب اللبناني مؤمن حتى الموسم المقبل ، فمدخراتنا تضمن تموين اللبنانيين حتى منتصف الشتاء ، و الكميات التي اتفقنا مبدئيا مع شقيقتنا سوريا على استيرادها تكفي لبنان حتى الصيف القادم . أما العجز المالي الذي وقع في موازنة التموين التجارية و الذي نتج عن تخفيض اسعار الرغيف فإن الحكومة الحاضرة عاملة على سده و هي تأمل أن تبلغ هذه النتيجة كاملة قبل انصرام العام الحالي .
لقد اخترنا التعاقد على مشترى القمح من شقيقتنا سوريا لأسباب مختلفة أهمها يرد الى طبيعة العلاقات التي تربط بين البلدين الشقيقين ، ولأن منظمة القمح الدولية كانت قد عرضت علينا كمية من القمح تفيض عن حاجاتنا في هذا العام لقاء ثمن يدفع بالدولارات فوجدنا أن في ذلك إرهاقا للخزينة ولمسنا أن الثمن الذي تطلبه منظمة القمح لا يقل بالنتيجة عن الثمن الذي تطلبه الشقيقة سوريا . إن اتفاقنا المبدئي مع سوريا يجعلنا في مأمن من أية أزمة تنتاب بلادنا اذا ما وقعت حرب عالمية و انقطعت المواصلات البحرية لا سمح الله .
إن نظام بلادنا الاقتصادي يحتم علينا نحن واخواننا السوريين أن نكون متضامنين في جميع الميادين الاقتصادية ويجعل من لبنان السوق الطبيعي لسوريا كما يجعل من سوريا المنتج الطبيعي للبنان .
ولم يمنع الحكومة انصرافها الى هذه النواحي من أن تولي المشروعات المختلفة في الادارة و جهاز الحكم عناية خاصة ، فقدمت عددا منها الى مجلسكم المحترم . و قد حرصت الحكومة بالدرجة الاولى أن تؤمن شرطين اساسيين لتوطيد الجهاز الاداري ، أولهما تثبيت الملاكات بصورة جلية واضحة ، وثانيهما إقامة اداة لمراقبة الادارة بعد استقرارها ، واداة المراقبة هذه لن تكون صورية .
لقد شرعت الحكومة السابقة تمشيا مع الفكرة الوطنية في استبعاد المبدأ الطائفي عن المشاريع التي وضعتها و قدمتها الى مجلسكم الكريم و حققت مشروعين يمكن ان يعتبرا حجر الزاوية في سياستنا القومية . إن قانون البلديات و قانون المختارين هما ، فضلا عن قيمتهما من الناحية الادارية ، نقطة تحول في حياتنا الاجتماعية و الوطنية من حيث انهما لم يقيما التثميل الشعبي على اساس طائفي .
و لا شك في أن من اجل ما قامت به الحكومة السابقة شرف اشتراكها مع حضراتكم في تجديد ولاية صاحب الفخامة رئيس الجمهورية تجديدا ضمن للبلاد الاستقرار السياسي والوطني الذي سيسمح لنا بأن نمضي الى غاياتنا المنشودة .
ان الحكومة الحاضرة ، و هي شقيقة الحكومة السابقة ، متضامنة في كل ذلك معها تضامنا تاما يشمل جميع الشؤون الداخلية والخارجية .
أيها الزملاء المحترمون
أن الحكومة الحاضرة ترى ان من اهم واجباتها الوقوف في وجه كل محاولة من شأنها أن تنال من وحدة الصفوف ، وهي ستعمل على تعزيز الدفاع الوطني تعزيزا شاملا ، وتتبنى جميع المشروعات التي تقدمت بها الحكومة السابقة ، و تعمد الى استكمال القوانين المالية والقضائية والاجتماعية ، مستعجلة تحقيق المشروعات التي لا تزال موضوع درس امام مجلسكم الكريم او امام الدوائر المختصة ، كقانون تنظيم الموظفين ، و قانون الملاكات ، و قانون المحاسبة العامة ، و قانون إنشاء ديوان المحاسبة ، و غيرها من المشروعات والقوانين التي لا بد منها لتستكمل البلاد جهازها الاداري المنشود . كما ستواصل الحكومة الاعمال الانشائية ، و ستولي الاشتاء والاصطياف عناية خاصة ، و ستتعهد التربية الوطنية فتعزز مؤسساتها وتوسع دائرة نشاطها وترفع مستوى القائمين عليها وتنفذ القرارات التي اتخذها المؤتمر الثقافي العربي الاول الذي انعقد في لبنان والذي أظهر التضامن بين البلاد العربية بأجلى مظاهره .
هذا ما تعتزمه الحكومة في الحقل الداخلي .
أما في الخارجي فسيكون هم الحكومة الاكبر مواصلة العمل في سبيل القضية الفلسطينية ، تلك القضية التي اصبحت جزءا لا يتجزأ من سياستنا القومية ، فهي عندنا قضية عقيدة وإيمان ومصلحة مستمرة على الزمن ما دام العدوان مسيطرا على الاراضي المقدسة ، لقد سبق لي ان قلت ان القضية الفلسطينية ، التي هي قضية العرب عامة ، هي قضية لبنان خاصة .
وقد آلينا على انفسنا ان لا ندع وسيلة من الوسائل الناجعة لحل قضية البلد العزيز علينا إلا ونتسلح بها مؤمنين بحقنا ، مؤمنين بالنتيجة التي سنصل اليها ، وإني لست في حاجة الى تذكير حضراتكم بمراحل جهادنا في سبيل فلسطين ، فلقد سرنا خلال المسالك الدولية الصعبة و قد التقت فيها مطامع الصهيونية بغيرها من المطامع فكافح ممثلونا في العواصم الاجنبية والمؤتمرات والهيئات الدولية في سبيل نصرة اخواننا في فلسطين .
وقد قام لبنان شعبا ومجلسا وحكومة بالواجب كل الواجب لانقاذ فلسطين العربية من براثن الصهيونية .
لقد شاركت الحكومة اللبنانية حكومات البلاد الشقيقة في كل تدبير يؤول الى صد الخطر عن فلسطين . فأدت حصتها من المساعدات التي قررتها الجامعة العربية و قدمت السلاح والعتاد وساهمت في تجنيد المتطوعين من خيرة رجالها وفتحت مخازنها العامة الملأى بمخلفات الجيش على مصراعيها . ولم يكن لبنان اقل اندفاعا في الحقل الانساني منه في الحقل المادي ، فقد احتضن ، حكومة و شعبا ، عشرات الالوف من اللاجئين وضمد جراحاتهم و انحنى على آلامهم و قاسمهم العيش ، و كان لمكتب فلسطين الدائم في لبنان اليد الطولى والفضل العميم في تخفيف المصائب والنكبات في المرحلة الاولى ، هذا فضلا عن الاسعافات والمساعدات القيمة التي قامت بها جمعية الصليب الاحمر اللبناني و سائر المنظمات .
و يضيف لبنان الان ، ما عدا الخمسة عشر الفا والخمسماية شخص الذين نزحوا مؤخرا عن بلادهم الى الحدود اللبنانية ، نحوا من اثنين وخمسين الف لاجىء تعنى الحكومة بحالتهم الصحية وبتأمين الغذاء والمأوى لهم و بتقديم المعونات و الاسعافات اللازمة .
و لم يتردد لبنان في مشاركة شقيقاته العربيات في التدخل المسلح من أجل إنقاذ فلسطين فساهم في ذلك المساهمة التي تتفق مع إمكانياته و رحب بجيش الانقاذ الباسل الذي امتزج دم رجاله بدم رجال الجيش اللبناني .
و لم يقصر عن تأدية رسالته كاملة في ميدان التعاون العربي فبذل جهودا عظيمة في التقريب بين الدول العربية و التأليف بين قلوب ملوكها و رؤسائها وامرائها و قادة الرأي فيها حتى تمكن من إزالة بعض الاسباب التي كان العدو يمني النفس باستمرارها .
و لقد دخل لبنان المعركة بكل جارحة من جوارحه وخاض حرب الانقاذ و هو مستعد لكل تضحية و قبل بوقف القتال بعد دروس عميقة وجدت فيها الدول العربية أن المصلحة تقتضي ذلك ولبنان يعلن أنه لن يتردد لحظة في العودة الى استئناف القتال عندما تدق الساعة .
لا شك في أن القضية الفلسطينية تجتاز مرحلة دقيقة صعبة غير أن هذه المراحل الصعبة في قضية البلاد المقدسة لن تزيدنا إلا مضيا في الكفاح ، و قد يتخلل هذا الكفاح هدأة أو هدآت أو يساوره ظروف وملابسات و لكن الجوهر يبقى جوهرا و النصر لا بد لنا على الدولة المزعومة مهما تألبت القوى و امتدت الاطماع وحيكت المؤامرات فنحن سنقابل كل محاولة من هذه المحاولات بإيمان لا يتزعزع و عزم لا يفل وتضامن لا يداخله ضعف أو وهن .
إننا سنكافح مع شقيقاتنا بجميع وسائلنا ، عسكرية كانت أو غير عسكرية ، و سنقاتل المعتدين الى أن يتم النصر . إننا سنبرهن للعالم على أننا جادون في عزمنا هذا .
فعلى الحكومات و الشعوب العربية أن تواصل الجهاد ضد الصهيونيين ، و ليعلم المواطن في بلد عربي أنه حجر الزاوية في هذا الجهاد .
وختاما ، ان الحكومة الحاضرة جادة بدرس مشروع قانون لتنفيذ التجنيد الاجباري كي تهيىء لبلادنا اسباب القوة والمنعة ، فنكون بذلك قد سرنا على غرار اخواننا في البلاد العربية التي تعمل اليوم على حشد جميع امكانياتها في سبيل تعزيز جيوشها دفعا للأخطار المحدقة بها .
إننا في عملنا هذا إنما نستوحي الروح الوثابة التي تسيطر على نفوس اللبنانيين جميعا منظمات وهيئات وافرادا ، ونستمد من عزمهم وإقدامهم المشروع الذي سنتقدم به منكم ، ونكون في ذلك قد حققنا رغبة أكيدة من رغباتهم الوطنية .
فعلى وضح هذه السياسة ، و على هذه الاسس ، نطلب ثقتكم الغالية لنتمكن بفضل هذه الثقة وبمؤازرة مجلسكم الكريم من العمل المثمر في خدمة البلاد والمصلحة العامة .