الحكومة رقم 7
حكومة الرئيس رياض الصلح
ألحكومة السابعة في عهد الرئيس بشارة الخوري
كلف الرئيس رياض الصلح بتأليف الحكومة بموجب المرسوم رقم 9252 تاريخ 7 حزيران سنة 1947
تشكلت الحكومة بموجب المرسوم رقم 9253 تاريخ 7 حزيران سنة 1947
فنالت الوزارة الثقة بالإجماع وامتنع 2
استقالت الحكومة بتاريخ 26 تموز 1948
وتألفت من
وقد جرت عليها التعديلات التالية:
حضرات النواب المحترمين
ان المرحلة التي عملت فيها مع زملائي الكرام اعضاء الحكومة السابقة كانت من ادق المراحل واصعبها في تاريخ لبنان ذلك انه يمارس لاول مرة في عهد الاستقلال حقه في اختيار نوابه . وقد لاقينا من المتاعب ما لاقينا حتى اجتازت البلاد تلك المرحلة وخرجت منها وهي في وضع سليم وطريق واضح قويم يقودها نحو المستقبل المأمون الذي تنشده جميعا .
لقد كان هذا الانتخاب استفتاء في سياسة هذا العهد ، على نتائجه يتوقف استمرار الخطة القومية الحكيمة التي قامت على الالفة والاتحاد العميق بين عناصر الامة والاتفاق المكين بين المسلم والمسيحي والتي حققت لهذا الوطن استقلاله وضمنت له سيادته وحدوده واثارت اعجاب الشرق والغرب . ولقد كان من الضروري لاستمرار هذه السياسة القومية الرشيدة ان يمثل الامة نواب تشربوا هذه الفكرة واعتنقوها ، وقد جاء استفتاء الشعب الذي اسفر عن انتخابكم نوابا له مؤيدا لتلك المبادئ ومثبتا ، فان حضراتكم جميعا ، ومن كان منكم من اعضاء المجلس السابق ومن لم يكن ، قد اثبتم فيه وخارجه انكم من معتنقي تلك المبادئ والمتمسكين بها تمسكا تاما . لقد ارادت الامة ارادة صريحة ان لا تمثل بفئة من الفئات المتطرفة ايا كان لونها ونوع عقائدها ، وكانت ارادتها نافذة بالرغم من التكتل الذي قامت به تلك الفئات .
على تلك المبادئ ، وبوحي تلك الروح التي وحدت بين ابناء الوطن بعد تفرق وألفت قلوبهم بعد تنافر ، سنسير جميعا متعاونين في هذه المرحلة النيابية الثانية في عهد الاستقلال ، لنحقق للبنان العزيز ما يصبو اليه من حياة تجمع بين الكرامة والرفاه .
ولقد كان من البديهي في بلد كلبنان بلغ من الرقي ما بلغ ، وشغف اهلوه بأمور السياسة هذا الشغف ، واطلقت فيه الحريات على اوسع مداها ، كان من البديهي ان تحدث ممارسة اللبنانيين لاول مرة في عهد الاستقلال هذا الحق ، هزة عميقة وضجة كبيرة صداها بعيدا وطويلا .
اما ما اخذ على سير العمليات الانتخابية في بعض الجهات ، فهو الآن موضع تحقيق هذا المجلس الكريم ، وقد احيل الى لجنة الطعون فيه كل الشكاوى والمآخذ ووضعت تحت تصرفها كل التحقيقات التي اجرتها اللجان الادارية والقضائية التي اوجدتها الحكومة خلال الانتخاب لتأمين سلامته . وليس اشد من الحكومة رغبة في ظهور الحقيقة مهما تكن نتائجها على ضوء تلك الوثائق والتحقيقات . لقد اوجد النظام النيابي في العالم كله التحقيق عن طريق لجان الطعون لمثل الحال التي اثارت الشكاوى هنا فلسنا نحن الذين نحيد عن الطريق السوي الذي تسير عليه مجالس العالم كلها .
على ان تلك الحماسة التي اظهرها اللبنانيون اثناء الانتخاب وبعده ، سواء في الانتقاد او التحبيذ ، قد دلت مرة اخرى على محبة للديمقراطية متأصلة في اللبنانيين ودلت على تعلقهم بالحرية كاملة مطلقة على اوسع ما تكون معتني الحرية واحترامهم لهم ، كما دلت على ذلك ايضا معاملة الحكومة في تلك الفترة للصحافة التي تمتعت بحرية كاملة مطلقة على اوسع ما تكون معاني الحرية . ان تلك الروح يجب ان تكون سببا لاغتباط كل وطني مخلص لان تعلق ابناء الوطن بالحرية وتمسكهم بها شرط اولي يبني عليه صرح الحريات في ذلك الوطن .
ولقد برزت في تلك الفترة عيوب قانون الانتخاب وهي عيوب لم تكن تخفي علينا . فان اول حكومة في عهد الاستقلال ، وكان لي شرف رئاستها ، قد اشارت في برامجها الى ضرورة تعديله ، وحالت الظروف دون ذلك في عهد المجلس السابق . ان هذا القانون الذي وضع في عهد الانتداب لم يصمد للتجربة الاولى في عهد الاستقلال لذلك سيكون في طليعة ما تباشره حكومتنا تعديله بما يلائم هذا العهد ويحقق رغبات اللبنانيين فيحول دون وقوع ما نشأ من اسباب شكواهم في المعركة الانتخابية الاخيرة . وهي ستقدم حالا الى المجلس الكريم بمشروع التعديل واثقة ان في اقراره ما يبعث الارتياح في النفوس ، ولدى المجلس ايضا قانون انتخاب المختارين والبلديات ترجو ابرامه بسرعة لكي يتم مبدأ التمثيل الشعبي على مختلف درجاته .
وفي جملة الاوضاع التي لها تأثيرها في عرقلة التمثيل النيابي السليم مبدأ اقامة الدولة على اساس الطائفية . فإن بلدا كلبنان بلغ من التقدم الثقافي والتطور الاجتماعي الحد الذي يضعه من هذه الناحية في طليعة بلدان الشرق ، جدير به ان تعدل عن الطائفية ويتحرر من قيودها الرجعية . ان الحكومات الاستقلالية المتعاقبة قطعت على نفسها عهدا بتحرير الدولة منها . ولنا كبير الامل في ان نتمكن من تحقيق هذا المطلب القومي . وتمهيدا لذلك سنتصل بمختلف الجهات والمراجع رغبة منا في ان يتم الغاء الطائفية دون ان يقوم في نفس اي كان شيء من الشك والقلق . وعندما تسود تلك الثقة الضرورية يمكننا ان نعمد الى اجراء الاحصاء العام الذي لا غنى للبلدان المتمدنة عنه على ان يكون احصاء وطنيا لا طائفيا كما يكون الاحصاء عند الامم الراقية .
وحكومتنا التي تضع في طليعة برنامجها توفير حياة ديمقراطية سليمة للشعب اللبناني بأوسع معانيها ، ترى من الضروري لتأمين ذلك تنظيم الحريات العام ، بحيث لا يساء فهمها واستعمالها ، اساءة تعود بالضرر على مصلحة الجمهور . فإن الاصل في الحريات ان تكون لخدمة تلك المصلحة وصيانتها . وسيكون في طليعة ما تعتني بتنظيمه على ذلك الاساس الصحافة . ولدى مجلسكم الكريم قانون للمطبوعات ترجوا ان يأتي معينا للصحافة اللبنانية على ان تحتل المكانة الائقة بهذه المؤسسة الاجتماعية الوطنية الخطيرة .
وستنظر حكومتنا بعين العطف والعناية والتشجيع الى تنظيم العمل السياسي العام في المجتمع اللبناني على اساس التكتل الحزبي بعد ان انقضت مرحلة النضال ضد الاجنبي ، وبعد ان قامت المنظمات الملائمة لمقتضيات تلك المرحلة بنصيبها في ذلك النضال ، فان طليعة هذه المرحلة الجديدة اصبحت تقتضي ان يقوم تنظيم الجماعات على اساس الاحزاب السياسية وعلى اساس الانظمة والقوانين العادية .
وستتابع حكومتنا سياسة التنظيم في مختلف مرافق البلاد ودوائر الدولة ، وستقدم لمجلسكم الكريم مجموعة من القوانين تكون بالاضافة الى المجموعة التي سنت في الماضي اساسا صالحا يقوم عليه جهاز حكومي سليم . وفي جملة تلك القوانين الموجودة لدى المجلس الكريم قانون بإنشاء محكمة للنقض والابرام ، وآخر لتنظيم دوائر الدولة وملاكات الموظفين ، متابعة الاستعانة بالخبراء الفنيين على نحو ما كان مع الخبير العالمي فان زيلند . ولنا وطيد الامل ان البرنامج الذي سيتبع يؤدي الى ازدهار التجارة والصناعة وينمي ثروة البلاد . وستوجه عناية خاصة للاصطياف والسياحة وهي تأمل ان يساعد انخفاض الاسعار على ازدهار هذين الموسمين .
وقد شرعت حكومتنا في السعي لتأمين القمح اللازم لاستهلاك اللبنانيين هذا العام وقد وفقت الى تذليل كثير من المصاعب التي كانت قائمة دون الحصول على الكميات الكافية .
واني اذكر بسرور الاتفاق الذي تم بيننا وبين شركة البترول العربية - الاميركية وقد اصبحنا نرجح ان يبتدئ العمل قريبا في الاراضي اللبنانية . ولا ريب ان هذا المشروع سيكون له اثره المحسوس في انعاش الحال الاقتصادية في البلاد فيعوضها سريعا عما كانت تجنيه من مشاريع الحرب ، وسيفسح هذا المشروع المجال الواسع للعمل امام الشباب المتعلم وامام العمال وسقضي على البطالة .
وسيكون لدوائر الشؤون الاجتماعية في عذع الوزارة نشاط متزايد وصلاحيات اوسع لمعالجة مختلف النواحي التي تدخل ضمن اختصاصها وفي مقدمتها شؤون العمال ، ونحن سائرون في طريق كفالة كل الضمانات التي من شأنها تأمين العمل والعيش للفئة العاملة ، وذلك بأحسن الشروط التي يجب ان تتوفر لها في مجتمع يقوم على اساس الديمقراطية والعدل .
وستعنى حكومتنا بالشؤون الزراعية عناية كبيرة ، وستضاعف مساعدتها للمزارعين ، عن طريق امدادهم بالخبرة الفنية ، وبالقروض الزراعية والبذور والآلات وتأمين تصدير الفائض عن حاجات البلاد من الفاكهة وغيرها الى اسواق الخارج .
وستوجه حكومتنا الى التعليم والتربية والثقافة القسط الوافر من جهدها وعنايتها . فدتها للمزارعين ، عن طريق امدادهم بالخبرة الفنية ، وبالقروض الزراعية والبذور والآلات وتأمين تصدير الفائض عن حاجات البلاد من الفاكهة وغيرها الى اسواق الخارج .
وستوجه حكومتنا الى التعليم والتربية والثقافة القسط الوافر من جهدها وعنايتها . فإن لبنان ، الذي احتل حتى الآن مركز الطليعة في الشرق العربي في هذا المضمار ، يجب ان يضاعب جهوده ليظل محتفظا بتلك المنزلة بعد قيام النهضة العلمية الحديثة في الديار المحيطة به وسيرها في طريق العمل والتقدم بخطى حثيثة . وسيكون في طليعة ما نعنى به في وزارة التربية اضافة صفوف على مدارسها الحاضرة تدرجا بها نحو جعلها مدارس ثانوية تجهز طلابها للبكالوريا .
كما اننا سنوجه عناية خاصة الى التعليم الزراعي والصناعي والتعليم العالي ، وسنبدأ حالا وقد منحنا المجلس السابق في آخر جلساته اعتمادا ماليا في ارسال بعثات عملية من الطلبة المتوفقين لإتمام دروسهم والتخصص في الفنون العالية ، وهي خطة سنتابعها بتوسع مطرد .
وسيكون المؤتمر الثاقفي الذي سيعقد في لبنان في ايلول المقبل مظهرا من مظاهر النشاط الفكري والعملي الذي امتاز به لبنان والذي يجب ان يظل مفخرة من مفاخره .
ويتعنى حكومتنا بالدعاية عناية خاصة . فقد رأت من الغبن للحكم الوطني ان يظل جهده مجهولا حتى للرأي العام اللبناني ، في حقول العمران والانشاء ، فضلا عن سواهما ، من انشاء مدارس ومستشفيات وشق طرق واصلاح مرافئ وتنظيم الري ومياه الشرب وتجميل المدن مما يحق للبناني ان يفاخر به ، ومما يشهد بكفاءته للتقدم السريع وللتعمير في ظل الاستقلال . وستعتمد في نشر ذلك السينما والفكر والرسوم وغيرها من الوسائل ، وستعنى بنشر هذه الحقائق بين المغتربين بنوع خاص ، الذين ستزداد عناية حكومتنا بتنمية الصلات بينهم وبين لبنان ، ليظل لهم احب الاوطان وليظلوا له ابر الابناء .
وستدرج حكومتنا على السياسة القومية المقررة التي انشأها هذا العهد الاستقلالي في التعاون مع الدول العربية الشقيقة في نختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية . وما زالت جامعة الدول العربية تثبت كل يوم انها خير اداة لتنظيم ذلك التعاون وتنسيقه وتوثيق عراه . كما انها اداة فعالة صالحة لاستمرار الوئام بين اعضائها القائم على احترام كل منهم لاستقلال الاخرين وسيادتهم . وقد كان لها يدها في تبديد المزاعم المنطوية تحت ما اسموه بسوريا الكبرى ، هذا المشروع الذي اعلن لبنان كلمته الحاسمة فيه .
وستتابع حكومتنا عن طريق الجامعة سعيها لزيادة التعاون الاقتصادي بنوع خاص وللتقليل من قيود الحواجز المختلفة تسهيلا للسفر والتبادل بين اراضي الدول الاعضاء .
وستواصل حكومتنا بذل جهودها لنصرة فلسطين ، ولصيانة عروبتها وابلاغها حقها في السيادة والاستقلال ، ونحن بالرغم من الظروف الدقيقة المعلومة التي احاطت اخيرا بقضية هذا القطر العربي المنكوب ما نزال نثق بفوز الحق في النهاية . وقد اعلنا في الامم المتحدة وفي القاهرة ، موقفنا من التحقيق الدولي الذي تقرر اجراؤه متضامنين مع الدول الشقيقة . ان الجهد الصادق والعمل المنظم والتضامن الصحيح بين العرب في مختلف اقطارهم ، اسباب لا بد منها لانقاذ فلسطين ، وهي كفيلة بدفع العدوان عنها عظمت وسائله وتعددت عناصره .
ويهمني ان اعلن استمرار سياسة حكومتنا على تأييد مصر في نضالها من اجل تحقيق امانيها القومية ، آملين ان تتمكن الدولة الشقيقة الكبرى من الوصول قريبا الى ما تصبو اليه .
اما علاقاتنا بساءر الدول الحليفة والصديقة فستظل قائمة على اساس المودة والتعاون لما فيه مصلحتنا المتبادلة . كما ان لبنان سيظل مخلصا لمبادئ العمل والديمقراطية التي قامت عليها مؤسسة الامم المتحدة باذلا نصيبه من الجهد فيها لكي تسود العالم تلك المبادئ التي في سيادتها وحدها الضمانة الصحيحة لامن الشعب والسلام الدائم .
حضرات السادة المحترمين
ان مجلسكم الكريم يخلف مجلسا ادى للوطن اجل الخدمات وكتب في صفحة تاريخه امجد الصفحات . فهو الذي خرج بلبنان ، تحت قيادة رئيسه الاول ، من حالة الانتداب الى حالة الاستقلال التام ، وهو الذي صمد في وجه الاحداث ولاعواصف الهوجاء وناضل مع الامة نضالا مستمرا فعدل دستورها ورد اليها حريتها وكرامتها وحقق سيادتها فتبوأت بين مجموعة الدول المستقلة مكانتها . وفي عهد ذلك المجلس وضحت لهذا الوطن العزيز سبل وجوده ، وتوطدت وحدته ضمن حدوده ، وارتسنت لابنائه طريق استمراره بل طريق خلوده .
ولد اسلم الينا المجلس السابق الامانة الكبرى ، فليست مهمتنا بأقل خطورة من مهمة الذين سلفونا في السنوات الاربع الماضية ، اذ علينا ان نوطد دعائم الاستقلال والسير بلبنان في طريق الانشاء والتجديد والتقدم في كل مضمار .
ان ما حصلنا عليه ايها السادة من النعم لعظيم ، في تلك السنوات الاربع المباركة في تاريخ هذا الوطن الحبيب ، ونحن لن نعرف قدر تلك النعم حق المعرفة ، ولكن الذين يعرفونه هم الذين حرموا مثلها . ففي سبيل المحافظة على تلك الامانة العظمى ، سنسعى عظيم السعي ونبذل اوفر الجهد ، عهدا نقطعه لكم وللأمة الكريمة التي تمثلون ، ان العهد كان مسؤولا .