الحكومة رقم 61
حكومة الرئيس رفيق الحريري الأولى
الحكومة الرابعة في عهد الرئيس الياس الهراوي
كلف الرئيس رفيق الحريري بتأليف الحكومة بموجب المرسوم رقم 2899 تاريخ 31 تشرين الاول 1992
تشكلت الحكومة بموجب المرسوم رقمرقم 2900 تاريخ 31 تشرين الاول 1992
نالت الحكومة 104 أصوات ضد 12 صوتاً وامتناع 3 عن التصويت ؛
استقالت الحكومة بتاريخ 25 ايار 1995
وتألفت من
وقد جرت عليها التعديلات التالية:
و:
البيان الوزاري
دولة الرئيس،
السادة النواب المحترمين،
اذا كانت الحكومة الماثلة امامكم اليوم هي حكومة الآمال الجديدة التي يراهن عليها اللبنانيون، فان مجلسكم الكريم هو ثمرة للآمال المعقودة على دفع مسيرة الديمقراطية في هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخ لبنان. لذلك، فان الحكومة تراهن على قيام هذا المجلس بدوره كاملا، دور يستند الى روح الدستور وما يكفله من تضامن بين السلطات وتعاون وتوازن ودور يتطلع الى حياة سياسية جديدة تنبثق من عملية الوفاق بين اللبنانيين ومن مصالحة حقيقية وثابتة بين المواطن ودولته، آن اوان بلوغها وجعلها ركيزة وطنية تستند اليها اجيالنا في رسم خطاها نحو المستقبل. السادة النواب المحترمين،
ان الحكومة التي تتقدم اليوم من مجلسكم الكريم ببيانها الوزاري، تطمح، بدعم منكم وبالتعاون معكم، الى بلوغ اهداف شعبنا في التحرير والاصلاح والاعمار. وهي من اجل ذلك تمثل امامكم تحت عنوان كبير هو الثقة. ثقة اللبناني بنفسه اولا وبقدرته على تحقيق اكبر الانجازات في اقسى الظروف. كذلك ثقة اللبناني بمستقبل بلده واستعادة دوره الخلاق في محيطه العربي وفي العالم. ثم ثقة المواطن المتجددة بدولته، وثقة الاخرين، اشقاء واصدقاء، بقدرتنا على انقاذ لبنان والنهوض بشعبه ومؤسساته. ان هذه الثقة هي شرط ضروري لنجاح حكومة ترشح نفسها لمهمات وطنية مستقبلية، تضع في اولوياتها : تحرير الارض من الاحتلال، وتحرير الدولة من مخلفات الحرب، وتحرير الادارة من الفساد، وتحرير المواطن من ذيول الفوضى. فمن الثقة نبدأ، وبالثقة سنتعاون معا لخدمة لبنان. وفي يقيننا ان المدخل لاستعادة الثقة بالدولة العادلة والقادرة والمسؤولة، يكون بتجديد الثقة في مسيرة الوفاق الوطني، كما يكون بتصحيح اي توجه يحاول الانحراف عن هذه المسيرة، او الانحراف بها عن حقائقها السياسية الواضحة. وانطلاقا من ذلك، تؤكد الحكومة تصميمها على التقيد بأحكام وثيقة الوفاق الوطني، نصا وروحا، وهي تلتزم، بالتعاون مع مجلسكم الكريم، بمتابعة ما تضمنته، وصولا الى لبنان الذي ننشده جميعا. لبنان السلام والحرية والعدالة والوفاق لبنان القوي بوحدة ابنائه، والقوي ايضا بعلاقاته مع اشقائه والتفافهم من حوله.
ان استمرار احتلال اسرائيل لجزء من الاراضي اللبنانية ومواصلة اعتداءاتها على شعبنا الآمن يبقيان في طليعة اهتمامات الحكومة، التي تعتبر ان مسألة تحرير ارض الوطن لها الاولوية ضمن اهدافها الوطنية والسياسية. ان الحكومة تتمسك بحق لبنان، حكومة وشعبا، في التصدي للاحتلال الاسرائيلي والعمل لتحرير الارض اللبنانية بكل الوسائل استنادا الى ميثاق الامم المتحدة وشرعة حقوق الانسان.
والحكومة التي تقدر الدور الذي تضطلع به قوات الطوارى ء الدولية، ستواصل، بكل اصرار، المطالبة بتطبيق القرار رقم 425، وستعمل على بسط سيادة الدولة على اراضيها كافة، واكمال نشر الجيش اللبناني حتى الحدود المعترف بها دوليا. كما ستعمل على دعم صمود اهلنا في الجنوب والبقاع الغربي والعمل على تحرير جميع الاسرى والمعتقلين في سجون العدو وعملائه.
وسوف تعمل الحكومة، ايضا، بالتعاون مع الاشقاء العرب، على مواجهة التعنت الاسرائيلي في معارضة تنفيذ قرارات الامم المتحدة والاقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وان الحكومة لا تحتاج ان تعلن للمناسبة وبعد ان اصبح ذلك جزءا من دستور لبنان، بأنها لا تقبل اي نوع من انواع التوطين على الاراضي اللبنانية.
ان العلاقات بين لبنان وسوريا، بجذورها التاريخية وبعمق الروابط الاخوية والمصالح المشتركة بين البلدين، هي شأن خاص بهما وستبقى هذه العلاقة مصانة بعيدا عن الاهواء والمصالح والتدخلات الخارجية ويجب ان تكون قوة لكل منهما.
وفي هذا الاطار ستعمل الحكومة على تنفيذ بنبود معاهدة التعاون والتنسيق الموقعة بين البلدين عبر المؤسسات التي وردت في نصوص المعاهدة.
ان موقف سوريا تجاه لبنان ودعمها لوحدته الوطنية ولاستقلاله وسيادته ودورها في عودة الامن والسلام وتحقيق الوفاق الوطني يؤكد اهمية العمل على استمرار تعزيز هذه العلاقات - وهي مميزة بطبيعتها. وكذلك في مجال السياسة الخارجية، فان الحكومة ستعمل بوحي من العلاقات التي تربط لبنان بأشقائه العرب، وبتصميم اكيد، على الدفاع عن الحقوق العربية وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني، ملتزمة التضامن العربي الكامل تجاه المواقف الاقليمية والدولية.
وهي عازمة، من اجل ذلك، على تثبيت الحضور اللبناني لدى المراجع والمنظمات والمؤسسات الدولية كافة وتفعيله في كل المحافل بما يؤمن الحضور الفاعل الذي تميز به دوما والذي يشكل استمرارا لتراثه المنفتح وتمسكه بشرعة حقوق الانسان وميثاقي الامم المتحدة وجامعة الدول العربية وقرارات الشرعية الدولية.
كما ان الحكومة ستعمل على تعزيز الصلة بين الوطن واللبنانيين في دنيا الانتشار، بما يعزز حجم الحضور اللبناني ودوره في العالم وبما يشجع روابط المغتربين مع الوطن ويحفظ مصالحهم وينظم مؤسساتهم التمثيلية - الامر الذي يوجب العمل على استحداث وزارة خاصة بهم تضع في اولوياتها، الى جانب قضايا الاغتراب، استقطاب الطاقات اللبنانية في الخارج وتشجيع المهاجرين على العودة للمشاركة في عملية البناء الوطني.
ايها النواب الكرام،
ان قضية المهجرين تحوز على اهتمام الحكم منذ ان توقفت الحرب وبدأت عملية السلام. فوثيقة الوفاق الوطني نصت على وجوب عودة جميع المهجرين، والى كل المناطق، كما ان الحكومات السابقة قطعت شوطا في مجال تهيئة الظروف لذلك، مما يحدونا الى تأكيد القرار السياسي بعودة المهجرين الى ديارهم.
وتبقى ترجمة هذا القرار عمليا والتسريع في تنفيذه من ابرز مهمات حكومتنا التي قررت، من اجل ذلك، العمل على انشاء وزارة خاصة بالمهجرين وتوفير الجهوزية الادارية والامكانات المادية لها، لان المشكلة باتت تتعدى القرار السياسي والمناخ الامني الى النواحي الاقتصادية والاجتماعية. لذلك ستعمل الحكومة على حشد الطاقات، في الداخل والخارج، في سبيل تأمين المساعدة المادية للمهجرين وتمكينهم من العودة، ترسيخا لارادة العيش المشترك بين اللبنانيين وسعيا لمسح آخر جراح الحرب، المعنوية والمادية.
ان دولة القانون هي الضمانة للحريات العامة ومفتاح السلام والانماء والاعمار. فمن اجل تحقيقها، واستكمالا للخطة الامنية الشاملة التي تهدف الى بسط سلطة الدولة على كامل الاراضي اللبنانية، تحصينا لسيادة الوطن واستقلاله، ستعمل الحكومة، بعد ان استيعدت وحدة القوات المسلحة، على تعزيز وتطوير وتجهيز جيشنا الوطني والقوى الامنية كافة، كي تتمكن من تنفيذ المهمات الموكولة اليها.
اما القضاء، فهو في الدستور، احدى السلطات الثلاث. ومن خلال انتظام عمله يتأمن خضوع الجميع، مسؤولين ومواطنين، لسيادة القانون، كما تتأمن صيانة حقوق اللبنانيين الاساسية المنصوص عنها في الدستور، مما يدعو الى الاسراع في انشاء المجلس الدستوري.
والحكومة سوف تعالج شؤون القضاء انطلاقا من هذا المنظار. وهي تؤكد الحرص على ضمان تعزيزه واستقلاليته، كما ستحرص على ان تملأ المراكز الشاغرة في القضاء بعناصر كفؤة لتأمين حسن سير العدالة وستعمل الحكومة على توفير اسباب الحياة اللائقة للقضاة لتتماشى مع مستوى الرسالة التي يضطلعون بها.
اما الادارة، فاننا لا نحتاج الى التأكيد على دورها في عملية المجتمع وتطويره، وفي مهمة النهوض الاقتصادي، بعد ان تشعبت اعباء الدولة الحديثة وتنوعت مهامها. ان الحكومة تدرك تماما بأن سني الحرب الطويلة، بما رافقها من تلاش لوسائل الرقابة، وما نتج عنها من فساد، قد انعكست على الادارة اللبنانية التي اصبحت في حالة ترهل تستوجب اعادة تدريبها وتأهيلها وتحديثها.
ان الحكومة، تمشيا مع ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني، تنوي في اطار السلطة المركزية القوية توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقاميين وتمثيل جميع ادارات الدولة في المناطق الادارية على اعلى مستوى ممكن تسهيلا لخدمة المواطنين وتلبية لحاجاتهم محليا وتشجيعهم على البقاء في مدنهم وقراهم. ومن اجل ذلك ستعمل الحكومة على استحداث وزارة الشؤون البلدية والقروية.
ان تحقيق الاصلاح الاداري يقتضي رفع الحصانة لمدة معينة عن جميع الموظفين والعاملين في القطاع العام والمؤسسات العامة واتباع سياسة الثواب والعقاب بحيث ينال الموظف النشيط حقه من التقدير ويستبعد الموظف الفاسد. وان ذلك سوف يقتضي تنشيط وتفعيل دور ديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي والمجلس التأديبي العام وسائر اجهزة الرقابة.
ان الادارة في الذراع التنفيذي للدولة والحكومة تعي اهمية الدور المطلوب من الادارة وضرورة تجهيزها بوسائل المكننة الحديثة والانصراف الى اصلاحها بغية رفع مستوى فعاليتها، والاهتمام بأوضاع العاملين فيها حتى تصبح قادرة على استقطاب الكفاءات من مختلف المستويات وفي مختلف القطاعات. ان الاصلاح الاداري يرتدي اهمية مضاعفة في لبنان في الوقت الحاضر اذ يتوقف عليه، الى حد كبير، تعزيز مصداقية الدولة في الداخل والخارج، كما يرتبط به تشجيع عمليات الاستثمار والتوظيف في لبنان وتسهيل الحصول، عند الحاجة، على المساعدات والقروض.
ان الدولة الحديثة، ايا كان نظامها السياسي، تعتبر ان من صميم مسؤولياتها تأمين العمل للمواطنين، على اساس الفرص المتكافئة، وتأمين التحصيل العلمي ليصبح في متناول الجميع والحفاظ على الصحة العامة، ورفع مستوى المعيشة عن طريق زيادة الدخل الوطني وبصورة عامة التحسب للمستقبل واتخاذ اسباب الحيطة لتجنيب المجتمع وطأة الازمات الممكنة. وعلى هذا الاساس، فان الحكومة مصممة، بعد ان اضحت بهمومها واعبائها تثقل كاهل المواطنين، على اعتماد نظام صحي حديث، دقيق الرقابة، ودعم الرعاية الاولية وتعزيز الوقاية والنهوض بالخدمات الاستشفائية الحكومية والخاصة.
وعلى الاساس ذاته، فان الحكومة تعتبر ان رفع مستوى التعليم وتعميمه، هما اليوم ضرورة وطنية من اجل تنشئة جيل جديد غني بالمعرفة يعتمر صدره بشعور الولاء للوطن. وسوف تولي الحكومة موضوع المدرسة الرسمية واقساط المدارس وكلفة التعليم اهمية خاصة وسريعة. ان الحكومة - تدليلا على الاهمية التي تعلقها على الجامعة الوطنية وعلى الشأن الثقافي، وحرصا منها على ان يبقى لبنان منارة للثقافة، وموئلا للفن والمعرفة، ومركزا للابحاث العلمية، سوف تعمل على استحداث وزارة للثقافة والتعليم العالي.
ولان التعليم المهني والتقني مهم ويستجيب لحاجات المجتمع ثقافة واقتصادا وانتاجا، ويتناول حياة العدد الاكبر من تلامذتنا ومستقبلهم فان الحكومة ستعمل ايضا على استحداث وزارة خاصة للتعليم المهني والتقني. ولا تحتاج الحكومة الى التأكيد على مدى اهتمامها بتحديث البنية التحتية التي خربتها الاحداث، ابتداء بتحسين خدمات الكهرباء والمياه وبناء شبكات الطرق الدولية وشق واصلاح الطرق الرئيسية وتطوير وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية للافادة من آخر ما توصلت اليه التقنية الحديثة التي من دونها لا يمكن ان يطمح لبنان لاستعادة دوره كمركز للاعمال في هذه المنطقة من العالم. كذلك فان ملف الاسكان سيحظى من حكومتنا باهتمام تفرضه حدة المشكلة التي يعاني منها المواطنون عموما والشباب منهم خصوصا. كما ان الحكومة ستولي اهتماما خاصا لتنمية القطاعين الصناعي والزراعي وذلك بتشجيع الانتاج الوطني وولوج اسواق تصديرية جديدة وتطبيق الروزنامة الزراعية واعتماد سياسة انمائية في الريف وفي القطاعات الانتاجية كافة.
وان الحكومة تعتبر انه، بعد عودة الامن والاستقرار الى ربوع لبنان، لا بد ان تنطلق الحركة السياحية وان يستعيد لبنان في هذا الحقل الدور الذي تميز به عبر السنين. الا ان ذلك يفترض المبادرة الى اصلاح واعادة تأهيل المرافق السياحية التي تضررت من جراء الاحداث وتشجيع الاستثمارات السياحية. كما يفترض ان نولي شؤون البيئة، والتلوث، العناية التي تستحق. وان الحكومة ستعمل على استحداث وزارة للبيئة تعنى بهذه القضايا ذات الاهمية الكبرى.
كذلك، فان الحكومة ستعنى بتطوير وتجهيز مرافق النقل المشترك والنقل الخارجي، بما في ذلك المطارات والمرافئ، وستعمل على استحداث وزارة خاصة للنقل. مع التأكيد على ان انشاء هذه الوزارات، باعتبار ان اكثرها منبثق مع ملاكاتها والموظفين التابعين لها عن وزارات قائمة ليس من شأنه ان يرتب اعباء كبيرة على موازنة الدولة.
اخيرا، فان الحكومة عازمة على تعزيز الاعلام الوطني وتعميمه على المناطق كافة وحماية الحريات العامة والاعلامية بشكل خاص عبر اعادة تنظيم وزارة الاعلام اداريا وتقنيا واستصدار التشريعات المنظمة لسائر وسائل الاعلام في ظل القانون بما يخدم تراثنا الديمقراطي وقيمنا الاخلاقية ومسيرة السلام ومصلحة الوطن العليا.
اذا كانت المهام السياسية والامنية واهداف التحرير والاصلاح تتطلب منكم ومنا استنفارا شاملا للهمم، وتعبئة كاملة للطاقات فان الشعب اللبناني ينتظر من هذه الحكومة خطة للانقاذ الاقتصادي والاجتماعي. ذلك ان اعداء لبنان والمتربصين بسلامه واستقراره يراهنون على انهيار مناعتنا الاقتصادية وتردى وضعنا الاجتماعي لاسقاط الآمال، وتعميم اليأس، والنفاذ الى وحدة الشعب، والقضاء على صموده وتضامنه. ان النهوض الاقتصادي الذي يدعم التحرير ويصون الاستقلال ويحمي الديمقراطية يقع في اولويات هذه الحكومة التي تعلنها، منذ اليوم، حربا على التضخم والاستغلال والمضاربة غير المشروعة التي ترمي الى الاضرار بالنقد الوطني وهي ستعمل على استقرار سعر صرف العملة الوطنية والسيطرة على العجز في الموازنة العامة واطلاق الدورة الاقتصادية ودفع عجلة الانماء والاعمار تحقيقا للامن الاجتماعي والازدهار الاقتصادي.
ان المشكلة الاقتصادية الاجتماعية التي تواجه لبنان اليوم ذات شقين مترابطين هما الاعمار والانماء. ونود في هذا المجال ان نؤكد على المسلمات الثلاث الآتية :
اولا : التأكيد على ترسيخ النظام الاقتصادي الحر الذي من خلاله سنتصدى لحل مشكلاتنا الاقتصادية كجزء من عملية اعادة بناء الدولة على اسس سليمة. ويجب ان يبقى واضحا ان اعادة البناء هي عملية مستمرة، وشاملة ومحفوفة بالصعاب في العديد من جوانبها، وتتطلب تضامن قوى الجميع وجهودهم وتضحياتهم. ان الدولة، في هذه المرحلة الدقيقة، سوف تعطي المثل للمواطن على ترشيد النفقات والاحجام عن الانفاق غير المجدي.
ثانيا : ان الاعمار والانماء لن يتحققا بصورة جدية وعادلة الا اذا تعرفنا، بشكل علمي ودقيق، الى حجم المشكلات التي تواجهنا ونوعيتها ومن ثم الى الحلول الناجعة لها. لذلك فان العمل الاعماري والانمائي سيبنى على المعلومات الميدانية الدقيقة والتخطيط العلمي الصحيح وعلى سياسة واضحة تأخذ في الاعتبار حماية التراث في كل المناطق اللبنانية.
ثالثا : ان التسريع في اعادة الاعمار لا يعني مطلقا اهمال الاهداف التنموية المتوازنة والطويلة المدى، لذلك فان الحكومة ستعمل على بلورة رؤية اقتصادية اجتماعية مبنية على النظام الاقتصادي الحر لتكون منطلقا للوصول الى المجتمع المنتج.
ان اعمار البنية التحتية، وخلق قاعدة اقتصادية واجتماعية سليمة، هما الخطوة الاولى التي ستحدد انطلاقة التنمية في المستقبل ومسارها. لذلك فان هذه الحكومة تضع في اولوياتها البدء بورشة الاعمار، بشكل جدي وواسع، وتسريع تنفيذ المشاريع، والوصول بالخدمات الحياتية الى المستوى المطلوب في اقصر مدة ممكنة بحيث تنعكس ايجابا على مستوى الرفاه الشخصي للمواطن.
ولمعالجة الشق الاقتصادي المالي من المشكلة، فان من ابرز اهداف هذه الحكومة مكافحة الغلاء والاحتكار واستقرار سعر صرف الليرة اللبنانية، واعادة الثقة فيها بما يدفع عجلة النشاط الاقتصادي الى مستويات متقدمة وينعكس ايجابيا وبالسرعة المطلوبة على مستوى دخل الافراد والاسر في لبنان. ولعله من البديهي القول ان سد العجز في موازنة الدولة لن يحصل الا اذا ضبطت المصاريف والنفقات وزيادة الواردات، آخذين بعين الاعتبار تأثير انخفاض العجز على الحركة الاقتصادية. كما ان ضبط النفقات سيأتي من خلال النظر الى تفاصيل هذه النفقات بحيث يلغى منها ما هو ممكن الغاؤه دون المساس بما هو من واجبات الحكم تجاه المواطن. اما زيادة الواردات فيتم من خلال تحسين جباية الضرائب بشكل فعال، واستيفاء الرسوم بشكل كامل، وخاصة ضريبة الدخل والرسوم الجمركية ورسوم نقل الملكية العقارية وبدلات اشغال الاملاك العمومية ومن خلال جباية مستحقات الخدمات العامة من مياه وكهرباء وهاتف وغيرها. وكذلك العمل على تطوير المؤسسات المكلفة المراقبة والتدقيق بما يحفظ حقوق الدولة وجباية مستحقاتها.
كما ان الحكومة ستعمل على تطوير النظام الضريبي في ضؤ معايير اقتصادية واجتماعية تجعل هذا النظام اكثر عدالة في بعده الاجتماعي واكثر انسجاما مع مستلزمات النهوض الاقتصادي واعادة الاعمار وتشجيع الاستثمار اللبناني والعربي ودفع عجلة التنمية.
اما الشق الاجتماعي من المشكلة فالحكومة ستسلط الاضواء عليه بالشكل الكافي حيث انه يوازي في اهميته الشق الاقتصادي. فالحرب المشؤومة التي عصفت بلبنان تركت وراءها مشكلات اجتماعية عديدة : فهناك عشرات الالوف من شبابنا لم يتسن لهم الانخراط في مجتمع السلم بشكل فعال، كما ان هناك الوف المعاقين الذين لهم على الدولة حق التأهيل والحماية وتأمين ظروف الحياة المنتجة الكريمة، وهو الامر الذي يدفعنا الى العمل على استحداث وزارة تعنى بالشون الاجتماعية.
اننا مقبلون على مرحلة سوف تقتضي منا جميعا جهدا متواصلا، وعملا حثيثا فالحاجات كبيرة وملحة وهي لا ترحم ولا تنتظر. ان الحكومة ستحيل الى مجلسكم الكريم في الوقت القريب مشاريع قوانين تهدف الى تحقيق وتنفيذ الامور الاتية :
1- خطة النهوض الاقتصادي الشاملة لجميع المناطق اللبنانية وفي جميع القطاعات التي اعدها مجلس الانماء والاعمار بالتعاون مع البنك الدولي والمؤسسات الدولية الاخرى والتي تشمل قضايا: الاعمار، الاسكان، شؤون المهجرين، تجهيز الادارات المدنية والمؤسسات العامة، المستشفيات والمدارس وتحديث واعادة تأهيل البنى التحتية والقيام بعمليات الاستقراض عند الضرورة لهذا الغرض.
2- تعزيز القوات المسلحة وتجهيز الادارات العسكرية والامنية. والقيام بعمليات الاستقراض عند الضرورة لهذا الغرض.
3- تنظيم الادارات العامة واحداث وزارات والحاق مؤسسات عامة بادارات عامة وانشاء او دمج او الغاء صناديق مستقلة.
4- تنظيم المرافق العامة، وتحديد طرق واصول ادارتها وتشغيلها وانشاء شركات مختلطة.
كما ان الحكومة تعتبر بأنه من الضروري اعادة النظر في بعض القوانين كقانون الجنسية وقانون البلديات وقانون التنظيم الاداري وقانون التنظيم المدني وقوانين البناء والسياحة وقانون الاستملاك وقانون الايجارات والنصوص الاخرى التي ترعى العلاقة التأجيرية وقوانين المؤسسات العامة وقوانين وانظمة الموظفين وسائر العاملين في القطاع العام ورفع الحصانة عنهم والقوانين المتعلقة بالضرائب والرسوم وقانون النقد والتسليف والقوانين الاخرى المتعلقة بالمصارف وقانون التسليف الزراعي وقانون البورصة وقانون الضمان الاجتماعي. ان الحكومة سوف ترسل مشاريع القوانين ذات الاهمية في الامور المدرجة اعلاه بصفة الاستعجال وهي تأمل من المجلس النيابي الكريم التجاوب معها وسرعة البت في هذه المشاريع كي تستطيع القيام بالواجبات الملقاة على عاتقها.
لقد صبر وطننا على آلام كثيرة، وتمكن من تجاوز محن كثيرة، والفرصة متاحة امامه الان، لاعادة تأكيد دوره في محيطه العربي وفي العالم. ان هذه الفرصة ليست مشروع احلام، انما هي مشروع واقعي يعبر عن حقيقة اللبنانيين كشعب لم تمت في اعماقه ارادة التغيير والتقدم.
نخن نرشح انفسنا، بالتعاون معكم، لتحقيق الحلم اللبناني الكبير بالتحرير والسيادة وببناء الدولة القوية القادرة على اسس علمية حديثة وبالنهوض الاقتصادي والاجتماعي، ووقف الاثار المهنية للحروب المتوالية، مع علمنا الكامل بما رتبته هذه الحروب من اوضاع متردية في مختلف مجالات الحياة اللبنانية، وكذلك مع علمنا بما تواجهه مهمتنا من عقبات نراهن على تذليلها بمعاونة المجلس النيابي الكريم، ومعه دائما.
اننا نقبل على مهمة شاقة، ولكنها ليست مستحيلة، اذا تضافرت جهود اللبنانيين وطاقاتهم على دعمها وحمايتها، واعتبارها مهمة وطنية، تعني الجميع من دون استثناء.
هذه الحكومة هي لكل اللبنانيين، تماما كما هو المجلس النيابي لكل اللبنانيين. هدفنا هو هدف كل واحد منكم. هدفنا هو هدف كل مواطن لبناني، عانى من الحرب ومخلفاتها. ويراهن على جعل هذه الحرب من مخلفات الماضي الذي لا عودة اليه . هذه هي سياسة حكومتنا والاهداف التي سنسعى الى تحقيقها بالتعاون الوثيق مع مجلسكم الكريم. اننا معكم هنا لمستقبل الوطن، لخدمة الشعب، لبناء الدولة.
دولة تكون فوق الجميع، تحمي حقوق الجميع، وتحمل طموحات الجميع. دولة تنال ثقة اللبنانيين وتضامنهم ووحدتهم وفعاليتهم. دولة تعلن مصالحة لبنان مع المستقبل.
على هذا الاساس نتقدم من مجلسكم الكريم، طالبين ثقتكم الغالية، واثقين اننا معكم سنجدد الثقة بلبنان.
عشتم وعاش لبنان.