الحكومة رقم 59
حكومة الرئيس عمر كرامي
ثاني حكومة الثانية في عهد الرئيس الياس الهراوي
كلف الرئيس عمر كرامي بتأليف الحكومة بموجب المرسوم رقم 860 تاريخ 24-12-1990
تشكلت الحكومة بموجب المرسوم رقم 861 اريخ 24-12-1990
القي البيان الوزاري بتاريخ 19-01-1991
نالت الحكومة 38 صوتا ضد 3
استقالت الحكومة بتاريخ 16 ايار 1992
وتألفت من
البيان الوزاري
حضرات النواب المحترمين.
ان الاجماع النيابي الذي تجلى في مجلسكم الكريم في اكثر من مناسبة وطنية، بل وفي جميع الظروف الخطيرة والمصيرية التي شهدتها البلاد خلال الازمة اللبنانية، هو عنوان كبير لمواقف وطنية ثابتة وشجاعة سوف يسجلها التاريخ لكم بأحرف من نور. وان ما حققه المجلس النيابي خلال هذه الفترة العصيبة من تاريخ الوطن، ولا سيما في المرحلة الاخيرة من الازمة، ان هو الا تعبير صادق عن ارادة اللبنانيين جميعا في الانقاذ والخلاص والسلام.
لقد تجسدت هذه الارادة، بصورة خاصة في مؤتمر الحوار الوطني في الطائف، ثم في الانتخابات الرئاسية وتصديق وثيقة الوفاق الوطني وفي اقرار التعديلات الدستورية ودعمكم المستمر لجهود اعادة توحيد الشعب والارض والمؤسسات وبسط سلطة الدولة على جميع الاراضي اللبنانية، واخيرا وليس آخرا في الدعوة الى تأليف حكومة جديدة تتحقق بتأليفها ومن خلالها مصالحة وطنية شاملة تنهي حالة الحرب في البلاد وتفتح صفحة السلم والبناء والاعمار.
ولقد اقتضى من اجل تحقيق هذه الغاية تأليف حكومة مصالحة وطنية تتمثل فيها معظم التيارات والقوى السياسية التي لا بد، لانقاذ الوطن، من تلقيها وجمعها حول طاولة حوار واحدة تكون المصلحة الوطنية العليا هي الغاية والهدف وفوق كل اعتبار. فلا وفاق حقيقي دون مصالحة وطنية، ولا مصالحة وطنية دون ترفع وتسامح وتعالي النفوس فوق الجراح، ولا سلطة شرعية قوية في استمرار وجود اللاشرعيات، ولا قيامة للدولة الواحدة في بقاء الدويلات، ولا امن ولا سلام ولا بناء ولا اعمار في ظل دولة ضعيفة تتنازعها الصراعات وتعطلها الخلافات.
من هذا المنطلق كان تأليف حكومتنا، ومن هذا الاعتبار نرجو ان تتمكن الحكومة، بتعاون اعضائها وتضامنهم، وبدعمكم وتأييدكم، من مواجهة الاستحقاقات التي تنتظرها ومن تحقيق الاهداف المناطة بها.
من اولى هذه الاهداف تنفيذ ما تبقى من وثيقة الوفاق الوطني ومعالجة الامور والقضايا التي تهم المواطن في حياته وامنه واستقراره. ودون الدخول في تفاصيل كل من هذه الاهداف لا بد من التركيز على بعضها نظرا لما ترتديه من طابع الاهمية او الاولوية.
اولا -في السياسة الداخلية :
· 1- استكمالا للخطة الامنية الشاملة التي تهدف الى بسط سلطة الدولة تدريجيا على كامل الاراضي اللبنانية بواسطة قوانها الذاتية، والتي انجز منها تحقيق بيروت الكبرى وانتشار الجيش اللبناني في هذه المنطقة، ستعمد الحكومة الى :
أ- تحصين خطة بيروت الكبرى وتنفيذ قرار الحكومة بارسال الجيش الى اقليم التفاح ومناطق اخرى في الجنوب واستلام جميع المرافق والمرافئ وانشاء غرفة ملاحة بحرية.
ب- حل جميع المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم اسلحتها الى الدولة وفقا لوثيقة الوفاق الوطني.
ج- ايجاد حل للشباب اللبنانيين المنتمين الى هذه المليشيات، بما يساعد على اندماجهم في الحياة العامة المدنية والعسكرية.
د- تعزيز قدرات الجيش وقوى الامن الداخلي وسائر القوى العسكرية والامنية النظامية، عدة وعددا وتدريبا، وفتح باب التطوع، وتعديل قانون الدفاع الوطني بما يتلاءم مع مستلزمات قيام المؤسسة الوطنية بمهامها وواجباتها على افضل وجه.
ه- حل مشكلة المهجرين اللبنانيين جذريا مع الاقرار بحق كل مهجر لبنان منذ العام 1975 بالعودة الى المكان الذي هجر منه ووضع التشريعات التي تكفل هذا الحق، والسعي الحثيث في الداخل والخارج الى تأمين وسائل اعادة التعمير.
· 2 -تحرير جنوبي لبنان والبقاع الغربي من الاحتلال الاسرائيلي، واستعادة سيادة الدولة حتى الحدود اللبنانية المعترف بها دوليا وذلك بالعمل على تنفيذ القرار رقم 425 وسائر قرارات مجلس الامن الدولي القاضية بازالة الاحتلال الاسرائيلي ازالة شاملة، والتمسك باتفاقية الهدنة الموقعة بتاريخ 23 آذار 1949. التأكد على حق الشعب اللبناني في المقاومة الوطنية المشروعة استنادا الى شرعة الامم المتحدة، واتخاذ جميع الاجراءات اللازمة للتحرير وبسط سيادة الدولة.
· 3 -ملء المراكز النيابية الشاغرة وفقا لاحكام التعديلات الدستورية الاخيرة على ان تعمد الحكومة الى اجراء الانتخابات النيابية فور ما تسمح الظروف العامة بذلك.
· 4 -اعادة بناء الدولة ومؤسساتها وتعزيز فعاليتها بما يمكن المواطنين جميعا، ولا سيما الشباب منهم، من ممارسة الحياة الديمقراطية الصحيحة والتعبير بحرية عن آرائهم واتجاهاتهم الوطنية، والمشاركة في القرارات المصيرية للبلاد. وتأهيل الادارة واصلاحها وملء المراكز الشاغرة فيها باصحاب الكفاءات العلمية والخلقية بما يمكنها من القيام بمهامها على افضل وجه ولا سيما في حقل الخدمات التي يحتاجها المواطنون من ماء وكهرباء وهاتف ونظافة وسواها.
· 5 -وضع وتنفيذ سياسة للانماء والاعمار تأخذ بعين الاعتبار حاجات البلاد والمناطق المتضررة، والسعي لتوفير المساعدات والاموال اللازمة لها وللمناطق المحتلة.
· 6 -معالجة الاوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية من خلال اعادة بناء الهيكيليات الاساسية للبنية التحتية وتعزيز الدورة الاقتصادية واعادة دورة عملية الانتاج في القطاعات عامة، ومراقبة الاسعار وقمع الغش، وتنقية القطاع المصرفي ورعايته، ومن خلال السعي الى اعادة التوازن في مالية الدولة بتعزيز الجباية والواردات وانتهاج سياسة التقشف وعصر النفقات العامة. مع التأكيد في كل ذلك على احترام النظام الاقتصادي الحر الذي يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة، وعلى سعي الحكومة الى تحقيق الانماء المتوازن للمناطق وتأمين عدالة اجتماعية شاملة، وتحديث الاتفاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الشقيقة والصديقة.
· 7 -انشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي تأمينا لمشاركة ممثلي مختلف القطاعات في صياغة السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة عن طريق المشورة والاقتراحات.
· 8 -تعزيز الاعلام الرسمي واعادة تنظيم جميع وسائل الاعلام في ظل القانون وفي اطار الحرية المسؤولة بما يخدم التوجهات الوفاقية وانهاء حالة الحرب.
· 9 -الاهتمام بشؤون التربية الوطنية والثقافة انطلاقا من ان التربية هي صناعة الشباب والمستقبل. من اجل ذلك ستعمل الحكومة على توفير العلم للجميع باعتباره حقا للمواطنين، وتطبيق الزامية التعليم بدءا بالمرحلة الابتدائية، وتكريس حرية التعليم وحماية التعليم الخاص مع تعزيز رقابة الدولة على المدارس الخاصة والكتاب المدرسي ومعالجة مشكلة الاقساط المدرسية. كما ستسعى الحكومة جاهدة الى رفع مستوى التعليم الرسمي والمهني والتقني وتطويره بشكل يلبي حاجات لبنان الانمائية والاعمارية وسوق العمل فيه وفي البلدان الشقيقة والصديقة، وذلك باعادة النظر في المناهج التربوية تعزيزا الانفتاح الروحي والثقافي، فيبقى لبنان بلد الحوار والتفاعل الثقافي، وتأمينا للانتماء والانصهار الوطنيين لا سيما من خلال توحيد كتابي التاريخ والتنشئة الوطنية في لبنان، بالاضافة الى اعادة النظر في هيكلية الادارات التربوية والثقافية بما يحقق فعاليتها ةيمكنها من مواكبة تطور التربية والتعليم والثقافة في العالم، ومن خلال تأمين الحياة الكريمة للهيئة التعليمية بتحقيق المطالب المحقة.
اما على صعيد الجامعة اللبنانية فان الحكومة ستوليها دعمها الكامل خصوصا لكلياتها التطبيقية بما يتوافق وحاجات البلاد، بالاضافة الى الاهتمام الكلي باعادة تأهيل واعداد الكوادر العليا في الادارة التربوية والتفتيش والارشاد وادارات المدارس الرسمية.
· 10 -حماية البيئة والطبيعة والموارد الطبيعية من سموم التلوث، ووضع استراتيجية صحية تحفظ الصحة العامة باعتماد التدابير الوقائية الفعالة وتقديم الخدمات الطبية والعلاجية واعادة تأهيل وتجهيز المؤسسات الصحية الرسمية وتفعيلها وضبط سوق الدواء من ناحية الجودة والاسعار، وتحسين التقديمات الاجتماعية والمعيشية ووسائل النقل، بما يخفف من اعباء المواطنين اليومية.
ثانيا : في السياسة الخارجية :
تنطلق الحكومة في سياستها الخارجية من مبدأ اساسي هو ان لبنان عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم بمواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الامم المتحدة وملتزم بميثاقها، وهو عضو في حركة عدم الانحياز. وسوف تلتزم الحكومة بهذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات.
وبهذه المناسبة فان الحكومة تقدم الشكر والتقدير لاصحاب الجلالة والفخامة الملوك والرؤساء العرب الذين عملوا جاهدين من اجل انهاء الازمة اللبنانية ودفع مسيرة الانقاذ والوفاق والسلام. وتخص بالذكر اعضاء اللجنة العربية العليا الذين كان لرعايتهم الكريمة واهتمامهم الدؤوب والمتواصل في الازمة اللبنانية اكبر الاثر في نجاح اجتماعات الطائف وولادة وثيقة الوفاق الوطني وتقرير انشاء صندوق عربي ودولي لاعادة اعمار لبنان نرجو ان يتحقق باسرع وقت ممكن، وتستمر معه اللجنة العربية بمواكبة خطى الشرعية اللبنانية نحو مستقبل افضل.
وتشكر بصورة خاصة الشقيقة سوريا على ما بذلته ولا تزال من اجل دعم مسيرة الانقاذ والوفاق والسلام، ودعم السلطة الشرعية في بسط سيادة الدولة وتوحيد الارض والشعب والمؤسسات. كما ان الحكومة تشكر الدول الصديقة والمنظمات الدولية التي ابدت اهتمامها بلبنان في محنته، وتؤمن بان توثيق علاقات لبنان مع سائر الدول الصديقة والمنظمات الدولية يعزز دوره في العالم وفي المنطقة. وهي اذ تعول على صداقات لبنان الخارجية تدرك ما للمغتربين اللبنانيين المنتشرين في ارجاء العالم من اثر عميق في توطيد هذه الصداقات وتعزيزها، وهم اهل لرعاية الدولة اللبنانية، واهتمام الحكومة في جميع شؤونهم وقضاياهم.
وتؤكد الحكومة على ايمان لبنان بالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفي انتفاضته
ضد اجراءات القهر والاذلال والتذويب. واما بالنسبة لازمة الخليج فان موقف الحكومة يتفق مع قرارات مجلس الجامعة العربية حول هذا الموضوع.
ثالثا : في العلاقات اللبنانية السورية :
انطلاقا من وثيقة الوفاق الوطني ستعمل الحكومة على تجسيد العلاقات المميزة اللبنانية السورية باتفاقات في شتى المجالات بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في اطار سيادة واستقلال كل منهما.
حضرة النواب المحترمين
هذا بيان ببرنامج الاعمال التي ستسعى الحكومة للقيام بها، وهوقبل كل شيئ بيان بالنوايا المخلصة والصادقة لمواجهة المرحلة الجديدة من تاريخ الوطن، وهي مرحلة دقيقة تتطلب من الجميع التعاون والتضامن لاقفال ملف الحرب نهائيا، ولمعالجة القضايا والمشاكل التي خلفتها هذه الحرب، ولبدء ورشة اعمار وانماء كبيرة، على جميع الصعد، مما يستوجب تلاقي الارادات الطيبة وتضافر الجهود ورص الصفوف وتشابك الايدي. يجب ان نعترف جميعا بان المهمة شاقة وصعبة، ولذلك فنحن نتطلع الى وعي اللبنانيين جميعا ونطلب منهم، كلا ضمن امكاناته وظروفه، مؤازرة الدولة في تحقيق هذه المسيرة مع بذل الكثير من العطاء والتضحية ونكران الذات لكي ننطلق جميعا، شعبا ومجلسا وحكومة، كفريق عمل وطني متكامل، من اجل تحقيق ما تصبو اليه الاجيال الطالعة في مستقبل كريم يظلله الامن والسلام ويعمه الاستقرار والازدهار.
ونحن، من جهتنا، لن نألو جهدا، ولن نبخل بتضحية، مهما عظمت، لادراك هذا المقصد، بتعاون مخلص وبناء مع فخامة رئيس الجمهورية الاستاذ الياس الهراوي، وبدعم وتأييد من مجلسكم الكريم الذي نحرص على مشاركته الفاعلة في قيامه لبنان الغد.
على هذا نرجو منحنا ثقتكم الغالية وعلى الله نتكل كي يوفقنا في تحقيق الغاية المنشودة.
والسلام عليكم