عاد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري عن استقالته في جلسة استثنائية عقدها المجلس ظهر اليوم في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وقرر فيها التزام الحكومة اللبنانية بكل مكوناتها السياسية النأي بنفسها عن اي نزعات او صراعات او حروب او عن الشؤون الداخلية للدول العربية، حفاظا على علاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع اشقائه العرب.
وجدد مجلس الوزراء تمسك الحكومة باتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني لاسيما البند الثاني من المبادىء العامة التي تنص على ان "لبنان عربي الهوية والانتماء".
وأكد عون خلال الجلسة "أن موقفنا في الازمة الاخيرة انطلق من عدم قبولنا بأن تمس اي سلطة في العالم كرامتنا، فلا وطن صغيرا او وطن كبيرا، بل الكل يجب ان يكون متساويا في العزة والكرامة"، مشددا على أن "وحدة اللبنانيين تبقى الاساس لحماية الاستقرار في البلاد".
أما الرئيس الحريري، فتمنى على الجميع "فتح صفحة جديدة للبنان تحمي استقراره وعلاقاته الاخوية مع البلاد العربية"، وقال: "أنا لن أضحي باستقرار البلد مهما كانت الظروف، وسلامة لبنان وحمايته من الحرائق الامنية والمذهبية فوق كل اعتبار".
واعتبر "أن وحده النأي بالنفس قولا وفعلا تحمينا، وهذا ما اشار اليه الرئيس عون في أكثر من مناسبة".
بيان الجلسة
وكان مجلس الوزراء عقد جلسة برئاسة الرئيس عون وحضور الرئيس الحريري وجميع الوزراء، وبعد انتهاء الجلسة أذاع الحريري البيان الآتي:
"بناء على اتفاق فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ودولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، واستنادا الى الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور، التأم مجلس الوزراء اليوم بدعوة من رئيس الجمهورية، في جلسة استثنائية، خصصت لمناقشة المستجدات السياسية وعلاقات لبنان العربية، والوضع الحكومي في ضوء الاستقالة التي قرر دولة الرئيس سعد الحريري التريث في اعلانها. أكد مجلس الوزراء باجماع المكونات السياسية الممثلة في الحكومة التزام البيان الوزاري قولا وفعلا وبخاصة بالفقرة التالية منه:
"ان الحكومة تلتزم بما جاء في خطاب القسم لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من ان لبنان السائر بين الالغام لا يزال بمنأى عن النار المشتعلة حوله في المنطقة بفضل وحدة موقف الشعب اللبناني وتمسكه بسلمه الاهلي. من هنا ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي حفاظا على الوطن ساحة سلام واستقرار وتلاق. وستواصل الحكومة بالطبع تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة والتأكيد على الشراكة مع الاتحاد الاوروبي في اطار الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية. كما انها تؤكد على احترامها المواثيق والقرارات الدولية كافة والتزامها قرار مجلس الامن الدولي رقم 1701 وعلى استمرار الدعم لقوات الامم المتحدة العاملة في لبنان".
وفي ضوء هذا التأكيد يقرر مجلس الوزراء الآتي:
التزام الحكومة اللبنانية بكل مكوناتها السياسية النأي بنفسها عن اي نزاعات او صراعات او حروب او عن الشؤون الداخلية للدول العربية، حفاظا على علاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع اشقائه العرب. ان مجلس الوزراء يجدد تمسك الحكومة باتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني لاسيما البند الثاني من المبادىء العامة التي تنص على أن "لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الامم المتحدة وملتزم ميثاقها، وهو عضو في حركة عدم الانحياز. وتجسد الدولة اللبنانية هذه المبادىء في جميع الحقول والمجالات دون استثناء.
ويتطلع مجلس الوزراء بناء على ذلك، الى أفضل العلاقات مع الاشقاء العرب وامتنها، بروح الروابط التاريخية التي تجمع بين دولنا وشعوبنا.
في النهاية، يشكر مجلس الوزراء رئيسه على موقفه وعلى عودته عن الاستقالة".
مداخلة عون
ووزع مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية المعلومات الرسمية التالية:
"في مستهل الجلسة رحب الرئيس عون برئيس الحكومة والوزراء، وعرض بالتفصيل للمراحل التي تلت اعلان الرئيس الحريري الاستقالة من الخارج والتحرك الذي قام به لمعالجة هذا الموقف من خلال الاتصالات التي اجراها داخل لبنان مع القيادات السياسية والروحية والمالية، وعدد من قادة دول العالم، لافتا الى ان التركيز كان على عودة رئيس الحكومة الى لبنان والبحث معه في الظروف التي رافقت اعلان الاستقالة. وتناول الرئيس عون ردود الفعل الدولية المؤيدة لمواقف لبنان لاسيما من الدول التي اظهرت تعاطفا مع المستجدات وتأييدا لضرورة عودة رئيس الحكومة الى بلده. وقال الرئيس عون: ان موقفنا في الازمة الاخيرة انطلق من عدم قبولنا بان تمس اي سلطة في العالم كرامتنا، فلا وطن صغيرا او وطن كبيرا بل الكل يجب ان يكون متساويا في العزة والكرامة. كذلك، فإن موقفنا كان موقف مواجهة، ووحدة اللبنانيين تبقى الاساس لحماية الاستقرار في البلاد".
وحيا عون مواقف القيادات اللبنانية التي تعاونت من اجل مواجهة الظروف التي مرت بها البلاد.
وختم رئيس الجمهورية كلمته قائلا: "الحمدلله، مرت الازمة من دون مضاعفات ولم يشعر اللبنانيون باي خطر، والآن علينا ان نستأنف العمل".
مداخلة الحريري
ثم تحدث الحريري فشكر عون على "ادارته الحكيمة للازمة الاخيرة والجهود التي شاركت فيها مكونات الحكومة لحماية الاستقرار". وقال: "آمل ان تشكل هذه الجلسة فرصة جديدة للتضامن على حماية البلد". وأضاف الحريري: "كلنا نتابع كيف ان المنطقة تغلي، ويجب ألا يكون لدينا اي وهم بان اي دعسة ناقصة يمكن ان تجر البلد الى مهوار خطير. ما قمنا به حتى اليوم كان قمة المسؤولية، وأهم ما فيه أننا رفضنا الانجرار خلف شعارات ودعوات لا وظيفة لها الا استدراج الفوضى للبنان".
وتابع: "أنا رئيس مجلس وزراء لبنان وصدر بحقي حكم إعدام في سوريا، وحزب الله مصنف إرهابيا في دول الخليج، ان كل ما نقوله هو تجنيب البلد الدخول بصراعات المنطقة للمحافظة على استقرارنا. لكن هذا الامر لا يعفينا من ان نرى المشكلة القائمة وملاحظات عدد من الدول الشقيقة، خصوصا دول الخليج التي وجهت الينا رسائل واضحة حول التدخل في شؤونها الداخلية. وهذا يعني ان ثمة مشكلة لا يمكن القفز من فوقها، وهذه المشكلة لا يجوز ان تستمر.
ان التهجم على دول الخليج في الاعلام وفي السياسة امر يهدد مصالح لبنان وخصوصا مصالح اللبنانيين الذين يعملون في الخليج. وصار واجبا علينا ان نضع يدنا على الموضوع وان نتخذ قرارا نعلن فيه النأي بالنفس قولا وفعلا. اي يجب ان نقتنع ان التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج له انعكاسات خطيرة على اوضاعنا وعلى مصالحنا. واذا كنا نرفض اي دولة ان تتدخل في شؤون لبنان، لا يجوز ان نقبل ان اي طرف لبناني يتدخل بشؤون الدول العربية، وخصوصا بشؤون دول الخليج العربي. ان مصلحتنا هي ان نحمي علاقاتنا التاريخية مع السعودية وكل الخليج، ولا نعطي اي ذريعة للمصطادين بالماء العكر لجر لبنان الى الفوضى. اتمنى على الجميع ان يأخذوا هذه المسائل باعلى درجات المسؤولية، ونتمنى ان نفتح صفحة جديدة للبلد تحمي استقراره وتحمي العلاقات الاخوية مع البلاد العربية".
وقال الحريري: "نحن لسنا في معرض التأكيد على عروبة لبنان، فهذا امر محسوم وليس محل نقاش، واتفاق الطائف واضح وضوح الشمس. لكن نحن في مجال توجيه رسالة للاشقاء العرب بان لبنان ليس في موقع التخريب على علاقاته العربية ولا في موقع الاذى لاي دولة عربية. ان التطورات في المنطقة توحي بوجود موجة جديدة من الصراع ... ربما الصراع صار في نهاية الشوط... وعلى خط النهاية ولا يجوز ان يسقط لبنان في موجة الفوضى. وانا من جهتي لن اضحي باستقرار البلد مهما كانت الظروف. سلامة لبنان وحماية لبنان من الحرائق الامنية والمذهبية فوق كل اعتبار، نتمنى على كل الاشقاء العرب ان يتفهوا اوضاع لبنان. الاشقاء العرب لم يتركونا في اصعب الايام... وتاريخ الدعم الخليجي للبنان يشهد عليه كل اللبنانيين. اتمنى اعتبارا من اليوم ان نجدد الثقة بعلاقاتنا، ونضع العلاقة مع الاشقاء على السكة الصحيحة. وبالمناسبة نحن امام تطور غير مسبوق في المنطقة. الادارة الاميركية على مشارف اعلان القدس عاصمة لاسرائيل. وهذا التطور ستكون له انعكاسات وفي حال حصوله، سيكون للحكومة موقف واضح، في اطار الموقف العربي الجامع الذي يؤكد على حق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة عاصمتها القدس".
وختم: "وحده النأي بالنفس قولا وفعلا يحمينا وهذا ما اشار اليه فخامة الرئيس في اكثر من مناسبة، الموضوع لا يعني مصلحة سعد الحريري، بل مصلحة لبنان، المسألة ليست صحة سعد الحريري، بل صحة لبنان واستقراره وامنه وسلامته وكل ما جاء في خطاب القسم. كلنا في السفينة نفسها اذا غرقت نغرق كلنا واذا نجحنا تمر العواصف الكبيرة والكثيرة التي تضرب المنطقة ونكون قد نجونا. فلنكن مع بضعنا البعض لحماية استقرار لبنان".
وكان عون التقى الحريري قبيل بدء جلسة مجلس الوزراء وعرضا نقاط الاتصالات التي أجريت للاتفاق على صيغة بيان مجلس الوزراء.