Republic of Lebanon

الرئيس الحريري في ختام جلسات مناقشة الموازنة العامة: اقرار الموازنة فرصة لاعادة الثقة ونتمنى التشارك جميعا بتوظيفها لمصلحة لبنان

الخط + -
18 تشرين الأول 2017

فيما يلي نص المداخلة التي أدلى بها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري مساء اليوم في ختام جلسات مناقشة مشروع الموازنة العامة في مجلس النواب:

دولة الرئيس، الزملاء النواب،

 

يصادف غدا الذكرى الخامسة لاستشهاد اللواء الشهيد وسام الحسن، رحمه الله.

وسام شهيد الجمهورية وشهيد الدولة وشهيد كل لبنان. وقد يكون الأمان الذي لا زلنا ننعم به، على عكس كل المنطقة من حولنا، جزء منه من مفاعيل الإنجازات الأمنية التي حققها خلال توليه شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي.

في هذه المناسبة أود أن أقول أن ثوابتنا وثوابت القضية التي استشهد من أجلها وسام الحسن، هي البوصلة لعملنا السياسي ولسعينا لحماية لبنان واللبنانيين وتثبيت الاستقرار والنهوض بهذا البلد وبالدولة.

دولة الرئيس،

تولى معالي وزير المالية الإجابة على الملاحظات المتعلقة بمشروع الموازنة، ولكني أود أن أقوم بمداخلة سياسية صغيرة للرد على بعض النقاط السياسية التي سمعناها هنا.

ملاحظات الزملاء النواب جديرة بالاهتمام والتوقف عندها، لأننا شركاء معا في تحمل المسؤولية ووضع قواعد سليمة لبناء الدولة وعمل المؤسسات.

أنا أفهم أن جلسات مناقشة مشروع الموازنة مناسبة، خصوصا في سنة انتخابية، لإطلاق مواقف ومخاطبة الناخبين. لكن بعض المداخلات، والحقيقة كانت قليلة جدا، تبدو وكأنها خلطت بين الموازنة العامة والمزايدة العامة. لهذا السبب أنا مضطر لأن أرد على بعض المزايدات غير المبررة.

لا يمكن أن أقبل أن هذه الحكومة، التي هي أكثر حكومة أنجزت في أقل من سنة من تشكيلها، أن يُعطى انطباع عنها أنها لا تعمل.

الحكومة أنجزت قانون انتخاب الذي كنا نعمل عليه منذ العام 2008، وسلسلة رتب والإصلاحات والضرائب فيها، وتشكيلات دبلوماسية وتشكيلات قضائية ومجلس اقتصادي واجتماعي وغيرها وغيرها.

هنا أود أن أقول أنه في موضوع التشكيلات والتعيينات، يستحيل أن يكون كل الأفرقاء السياسيين راضين مئة بالمئة. يريدوننا أن نغرق في شبر مياه. يقولون فلان أخرجتموه وفلان أبقيتموه، هذا صحيح، ولكننا أنجزنا تشكيلات قضائية ودبلوماسية. فمنذ متى لم تحصل؟ واليوم، دولة الرئيس، وبالتعاون مع مجلسكم نعمل على الموازنة.

الحكومة، ومنذ اليوم الأول لتشكيلها، تعمل على خطة مفصلة لمواجهة تداعيات النزوح السوري، الذي لم يبدأ مع بدء عمل هذه الحكومة، بل عمره يعود إلى سنة 2011، وأكثرية النزوح حصلت بين العامين 2011 و2013، حتى وصلنا إلى حوالي مليون وثلاثمائة ألف في العام 2013. الآن لدينا مليون ونص المليون أكثر أو أقل، ولكن تقريبا هذا هو العدد.

ولكن هذه الحكومة تعمل على خطة مفصلة لحل هذه المشكلة. وهي تعمل على خطة مفصلة لحل مشكلة الكهرباء ومشاكل البلد العديدة. واللجان الوزارية المخصصة لكل واحدة من هذه القضايا تعمل بشكل متواصل. هذه أكثر حكومة، منذ زمن طويل، أنجزت وعملت وستواصل العمل.

البعض يتصرف وكأنه يكتشف اليوم أن وضعنا المالي صعب، أو أنه لدينا أزمة نزوح سوري، أو أن لدينا مشكلة تغذية كهربائية وعجز مزمن في كهرباء لبنان، أو أنه لم يحصل قطع حساب منذ زمن طويل. كل هذا اكتشفناه اليوم، في هذه الموازنة وفي هذه الحكومة. ولكنه بالأساس لم تكن هناك موازنة! وأنا أعود وأذكّر، أنها أول موازنة للدولة منذ 12 سنة. ولكننا لا نستطيع أن نشارك بالحكومات السابقة، وفور تشكيل حكومة لا يشارك فيها البعض، نكتشف كل هذه المشاكل، والأسوأ، نكتشف كل هذه الحلول السهلة لهذه المشاكل المزمنة! كان يفترض بكم أن تعرضوا هذه الحلول في الحكومات التي كنتم مشاركين فيها!

أود أن أخصص كلمة لموضوع الكهرباء. الناس شبعت تنظيرا وتريد كهرباء. هذه الحكومة تعمل لتوفير الكهرباء، لأن الناس تريد كهرباء ولا تريد تنظيرا ولا تريد وعودا. نحن وضعنا خطة كهرباء وخطة اتصالات وقمنا بمشروع النفط. لكن في موضوع الكهرباء، لا بد من اتخاذ خيارات، هل نقول للناس انتظروا 3 سنوات لكي نؤمن الكهرباء، وفي نفس الوقت علينا أن ندفع خلال هذه المدة بين 6 إلى 7 مليار دولار؟ أو أن يكون لدينا القليل من الشجاعة ونضع الحلول على الطاولة لمرحلة السنوات الثلاث هذه، نؤمن كهرباء للناس، ونوفر حوالي 4 إلى 5 مليار دولار من هذه الـ6 أو 7 مليارات؟ قد ندفع اليوم أكثر ولكن حين نعدل التعرفة ويصبح المواطن يدفع فاتورة واحدة، حينها نكون نعمل بشكل صحيح ونؤمن الكهرباء للناس.

حُكي عن صفقات، وأن دفتر الشروط صمم لشركة واحدة. هذا الكلام غير صحيح. أي شركة بمقدورها أن تؤمن الكهرباء بـ3 أو 6 أشهر فلتتفضل. وضعنا شروطا صعبة لكي لا يتقدم أي كان. حين نضع ضمانة أن تدفع الشركة 50 مليون دولار بعد 3 أشهر إن لم تؤمن الكهرباء، علما أن الدولة تدفع تكاليفها طوال هذه المدة، فإن هذه الشركة ستدفع المبلغ. هذا ليس كالعقود السابقة، نضع دفتر شروط وننتظر سنوات ونصل في النهاية إلى التحكيم وتدفع الدولة الأموال لشركة لم تنفذ شيئا.

كذلك حكي عن الأستاذ جان عليّة أن هناك من يستهدفه، كلا أيها الزملاء، هو باق وهذه الحكومة تدعمه حتى النهاية في كل ما يقوم به لأننا نريد الشفافية ونريد أن نظهر للناس أننا نعمل بشكل صحيح. لا يقوّلنا أحد أمورا لم نقلها. ولكننا في الحكومة حين نأخذ قرارا بعدة أمور يجب أن تنفذها الدائرة المعنية في الدولة، وعلى هذه الدائرة أن تأخذ بقرارات مجلس الوزراء، ونقطة على السطر. فليس كل دائرة أو كل مدير عام يستطيع أن يفعل ما يريد. الحكومة تأخذ قرارا ليُنَفذ. هذا ما أردناه.

في موضوع مرسوم تأهل شركات النفط فئتان: شركات مشغلة تزيد قيمتها عن 10 مليار دولار، وشركات غير مشغلة تزيد قيمتها عن 500 مليون دولار، وأسماء الشركات المؤهلة معلنة. نحن لا نخبئ شيئا، بل بالقانون مجبرون على أن نعلن كل شيء بكل شفافية على مواقع الإنترنت التابعة لنا لكي تكون المزايدة شفّافة. كما أنه هل هناك أكبر من هذه الشركات المتقدمة، إن كانت "نوفاتيك" أو "إيني" أو "توتال"؟ لا أظن أن هناك أكبر من هكذا شركات.

في موضوع الاتصالات، ليسموا الشركة لكي نحاسبها. ولكن بالنسبة إلينا يا سعادة الزملاء نريد إثباتا. أعطونا اسم الشركة لكي نتعامل معها. كل شيء موجود على مواقع الإنترنت. هناك شفافية واضحة في هذا المسار، الذي لم تقم به حكومتي وحدها، بل هو متبع منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والرئيس تمام سلام، وحكومتي أنا عملت على أن يكون في هذا المشروع كامل الشفافية. هذا ما نريده وما نسعى إليه ولن ندع أحدا يغطي على أحد.

وحكي أيضا أن وزارة الاتصالات أعطت لشركة الحق بأن تقوم بالفايبر أوبتيكس. ماذا يعني اليوم أن نقر قانون PPP، ما الذي تتوقعونه؟ إنها شراكة بين الدولة والقطاع الخاص. فحين يأتي القطاع الخاص يريد أن يستثمر في الكهرباء مثلا أو بالاتصالات أو ببناء طريق طويل برسم مرور (Tall road) من خلدة إلى نهر إبراهيم مثلا، فإن مثل هذا المشروع سيكلف مليارين. برأيكم لمن سيكون مدخول هذا الطريق؟ للدولة؟ سنعطي هذا المدخول للشركة المنفذة على مدى 20 سنة، والأمر نفسه في الاتصالات. لذلك حين تسمح الحكومة لكل الشركات الراغبة بالتقدم، أن تقوم بمثل هذا النوع من الاستثمار، فإن هذا يعني أن هذه الشركة ستدفع مائة مليون دولار من مالها الخاص لكي تستثمر ثم تسترجع استثمارها، وبعد سنوات قليلة يصبح الربح الأكبر للدولة في المستقبل.

وفي هذه الحكومة، حين أتى وزير الاتصالات جمال الجراح كنا نأخذ من قبرص 60 غيغابايت من الإنترنت بكلفة 40 مليون دولار، الآن بتنا نأخذ 600 غيغابيات بدون أي تكلفة إضافية.

كما حكي بأنه حصل توظيف خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك في عهد الرئيس تمام سلام، بأن هناك 23 ألف أضيفوا، والحقيقة أن هؤلاء جميعهم في الجيش والقوى العسكرية. أي أننا اليوم نعيش بأمن واستقرار بسبب هذه الإضافة. فكلكم تذكرون ما قبل العام 2013ن كم كانت تقع معارك في طرابلس وتفجيرات في الضاحية. هؤلاء جزء مهم جدا استثمرته الحكومة السابقة، أشكر هذا الاستثمار في الأمن لأننا كنا بالفعل بحاجة إليه، وهو حمى لبنان، وجزء من هذا الاستثمار هو فعليا حارب في عرسال والبقاع.

هنا، أود أن أقول كلمة سريعة عن موضوع أُثير في بعض المداخلات، تحت تسمية "الإحباط السني". أهل السنة ليسوا محبطين. وأنا مسؤول عن كلامي. قد يكون بعض الزملاء محبطين، أتمنى عليهم ألا يقيموا إسقاطا لإحباطهم على اللبنانيين، أو على طائفة أساسية ومؤسسة لهذا البلد.

الذين لم يحبطهم اغتيال رفيق الحريري، لا يحبطهم شيء! اللبنانيون لم يحبطهم بسبب اغتيال الرئيس الشهيد، لا بل انتفضوا وأنجزوا وبقوا مستمرين. وأهل السنة لم يحبطهم اغتيال رفيق الحريري، لا بل بقوا متمسكين بالاعتدال والدولة والعدالة، وبقوا مستمرين وسيبقون مستمرين بمشروع رفيق الحريري، ونقطة على السطر.

دولة الرئيس،

إذا كان هناك على مدى السنوات الماضية مخالفة للدستور بعدم إقرار الموازنة، نحن هنا تحديدا اليوم لنعلن نهاية المخالفة، والالتزام باحترام المهل الدستورية والقانونية، والانطلاق لإعداد مشروع موازنة 2018، برؤية اقتصادية وإدارية ومالية وتنموية بدأنا العمل عليها بالتزامن مع الإعلان عن خطة الحكومة اللبنانية لمواجهة تداعيات النزوح السوري، والاستثمار بالبنى التحتية والخدمات العامة. 

وقد رأيتم دولة الرئيس، ورأيتم حضرة الزملاء النواب، أنه منذ تشكيل هذه الحكومة ونحن نسعى مع كل الأشقاء والأصدقاء، ووصلنا والحمد لله، لقرار دولي بتنظيم 3 مؤتمرات تفيد لبنان: الأول للاستثمار في لبنان والثاني لدعم الجيش والقوى الأمنية والثالث لبحث مسألة النزوح على مستوى دول النزوح.

المهم أن نكون مدركين جميعا أن التوظيف بالاستقرار السياسي والأمني هو الضمانة الحقيقية للاستثمار بالنهوض الاقتصادي. وأنا شخصيا لن أفرط بهذا الاستقرار، وبحق لبنان بحماية نفسه من المخاطر الداهمة في كل المحافل العربية والدولية، ولن نعطي أي فرصة لإغراق لبنان في حرائق المنطقة.

خلافاتنا السياسية حول كثير من الأمور واضحة ومعروفة وليست بحاجة لتكرار. وهي خلافات جدية وسيأتي وقت معالجتها، لكنه لا يصح أن نأخذ من هذه الخلافات منابر للنيل من الاستقرار الوطني، أو لكسر التسوية السياسية التي تحمي بلدنا بأصعب الظروف.

الحكومة مؤتمنة على هذا الأمر وهي ستواصل العمل تحت سقف الاستقرار، بإرادة كل المشاركين فيها، وبإرادتي شخصيا، لتجنيب لبنان خطر الفتن وخطر الانزلاق لأي محاور خارجية تضر به وبرسالته أو تسيء لعلاقاته مع أشقائه العرب، خصوصا مع أشقائنا بالخليج الذين ما تأخروا يوما عن مساعدة لبنان ولم يتخلوا عنه بأصعب الأوقات.

لبنان الآمن، لبنان الموحد، لبنان المستقر، لبنان القانون والدستور والمؤسسات، هو لبنان الذي نريده، وهو لبنان القادر على مواجهة العواصف الخارجية.

إقرار الموازنة فرصة لنجدد الثقة، وأتمنى أن نتشارك جميعا في توظيفها لمصلحة لبنان.

شكرا دولة الرئيس، وشكرا للزملاء النواب.

 

جميع الحقوق محفوظة ©      ملاحظة قانونية  |   إتصل بنا  |  خريطة الموقع
تم انجاز هذا الموقع بالتعاون مع مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية